الصفحة الأساسية > كتب ومنشورات > حزب العمال الشيوعي التونسي: موقف ثابت ومتماسك من انقلاب 7 نوفمبر 1987 > اليسار والميثاق الوطني
الفهرس
حزب العمال الشيوعي التونسي: موقف ثابت ومتماسك من انقلاب 7 نوفمبر 1987
اليسار والميثاق الوطني

مائدة مستديرة: أدار الحوار حاتم الشعبوني (مجلة الطريق الجديد).

النقاش حول مقترح الميثاق الوطني لا يمكن أن يقتصر على ملف تلفزي يتسابق المشاركون فيه على محاولة تمرير بعض الأفكار أو الإشارة إلى أفكار. والنقاش لا ينحصر أيضا في النقاش الرسمي الذي سينطلق في مرحلة لاحقة... فهناك عدة محاور لم يقع التطرق إليها وهنالك العديد من الزوايا التي يمكن إثارتها فرأت "الطريق الجديد" أن تطرح قضية الميثاق الوطني حسب إشكالية موقف اليسار منه والتي هي إحدى الإشكاليات المطروحة وتهم جزءا من القوى المعنية وهو اليسار الذي هو في حاجة إلى الإكثار من مثل هذه اللقاءات والحوارات في هذه القضية وفي غيرها... لذلك استدعينا ممثلي بعض الحركات التي لها نشاط علني على الساحة السياسية حددته على أنه يتم من موقع اليسار ولم يكن من الممكن ولا من المفيد إكثار عدد الحاضرين ليحضر الجميع كما استدعينا إحدى الشخصيات اليسارية المستقلة والتي تعذر عليها الحضور... فضمت مائدة الحوار في النهاية السيدة سهام بن سدرين من التجمع الاشتراكي التقدمي والسادة التيجاني حرشة من حركة الوحدة الشعبية وحمه الهمامي من حزب العمال الشيوعي... وطرحنا عليهم الأسئلة التالية:

ما هو تقييمك لمقترح الميثاق الوطني؟ ما هو الجديد الذي يدخله على الوضع السياسي وماذا يمكن أن يكون الموقف منه بالنسبة للحركات اليسارية؟ ما هو المحتوى الذي يمكن أن يعطي لهذا الميثاق أو في حالة رفض فكرة الميثاق، ما هو البديل الذي يمكن تقديمه؟ هل يفقد اليسار هويته بالمشاركة في إقرار ميثاق وطني مع السلطة ومع التيارات السياسية الأخرى؟

التيجاني حرشة

في الحقيقة مبادرة الرئيس بن علي قابلة لعدة تأويلات فإذا كان المقصود منها إعادة الاعتبار للمجتمع المدني والتخلي عن الوصاية واحتكار النفوذ نحن مع هذا التمشي لأته هو الطريق الوحيد للانتقال بتونس من وضعها الحالي إلى وضع جديد يتميز بالاستقلال الحقيقي.

وإذا كان الميثاق يعني "العقد" فهذا لا يتم دون إرادة مشتركة ودون أطراف. إذن هنالك شرطان الأول هو: توضيح الأهداف والشرط الثاني هو تحديد الأطراف، وفي خصوص هذا التحديد نعتقد أن هذه الأطراف ينبغي أن تتميز بمواصفات دنيا منها نظافة اليد والالتزام بالأهداف التي سبق أن ذكرتها وإذا وجدت هذه الأطراف بل يجب أن توجد لأن بعضها غير موجود قانونيا على الأقل أو تنظيميا، لكي تكون قادرة على المساهمة في إبرام الميثاق على أساس أهداف محددة.

حمه الهمامي

في البداية أريد أن ألاحظ أن هذه الضجة حول "الميثاق الوطني" انطلقت من فراغ إذ أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد تصريح لرئيس الدولة لجريدة أجنبية فيه إعلان عن نية فقط سرعان ما تلقفتها في الداخل بعض الصحف والقوى السياسية وجعلت منها الشغل الشاغل وكأن البلاد لم يعد ينقصها إلا هذا الميثاق المجهول المعالم إلى حد الآن. إننا نجد أنفسنا مرة أخرى أمام ضجة على غير قاعدة جدية ورغم ذلك انطلق البعض يفصل ويخيط ويجمع. ولكن وبما أن الموضوع طرح الآن وأصبح محل نقاش وأخذ ورد فإننا مضطرون إلى وضع النقاط على الحروف من جانبنا. نحن تعلمنا كماركسيين لينينيين أن نضع دائما كل حدث أو إجراء سياسي في سياقه حتى نفهمه وندرك أهدافه وانعكاساته المحتملة على الحركة العمالية والشعبية. فما هي الظرفية التي جاءت فيها فكرة الميثاق؟ من الواضح أنها تتميز بتواصل الأزمة الاقتصادية وتفاقم آثارها الاجتماعية على مستوى شعبي. وقد زادتها حدة الكوارث الطبيعية المشهودة هذه السنة. الأزمة متواصلة ومع ذلك فإن السلطة مسترسلة في مداواتها بالتي كانت هي الداء. مسترسلة في تطبيق وصفة صندوق النقد الدولي القائمة على تحرير الاقتصاد والمراهنة على الأسواق الخارجية وتجميد الأجور وتخفيض اليد العاملة والترفيع في الأسعار والاعتماد على التداين الخارجي وتقليص الخدمات الاجتماعية والثقافية. ومثل هذه السياسة الاقتصادية لا يستفيد منها إلا الرأسمال الأجنبي والرأسمال المحلي الذي حظي بعفو جبائي وتسهيلات وامتيازات أخرى. أما على مستوى شعبي فإن انعكاسات هذه السياسة تلمس في حياة المواطن اليومية التي تحولت إلى جحيم بسبب تفشي البطالة وتفاقم ارتفاع تكاليف العيش وتدهور المقدرة الشرائية. أما على صعيد آخر فرغم الإجراءات التي تم اتخاذها فإن الحياة الفكرية والسياسية لم تشهد بعد التحرر الذي يستفيد منه الشعب. فالدستور لم تراجع منه إلا الفصول المتعلقة بالخلافة وفي اتجاه دعم النظام الرئاسي. وقانون الأحزاب المستحدث مناف للديمقراطية على طول الخط ولا يحتاج إلى تعليق. وفضلا عن ذلك فإن العديد من القوانين الأخرى المنافية للديمقراطية ما زالت سارية المفعول. والبرلمان ومجالس البلديات لم يقع حلها وتجديدها على أساس انتخابات حرة وديمقراطية. وواقع الإدارة لم يتغير. وعلى العموم فإن الحزب الدستوري (التجمع حاليا) ما زال بالاستناد إلى هذه المؤسسات والقوانين يحتكر الحياة السياسية ولا توجد في نظرنا مؤشرات جدية لتغيير شكل السلطة أي الانتقال نحو شكل ديمقراطي. أما من ناحية العلاقات الخارجية فإننا نلاحظ أن الارتباطات التي ذيلت تونس بالعالم الغربي لم تتغير. تضاف إلى ذلك إعادة العلاقات مع مصر كامبد دافيد وزيادة توثيقها مع بعض الرجعيات العربية التي تحلم بصياغة المجتمع التونسي على منوالها. هذا هو السياق العام لسياسة السلطة التي تتنزل فيه فكرة الميثاق. فماذا ستكون إذن وظيفة هذا الميثاق أمام الأوضاع التي وصفنا؟ نعتقد أن الميثاق في مثل هذه الظرفية سيمثل بالضرورة قيدا آخر يكرس احتكار الحزب الحاكم للحياة السياسية بأشكال جديدة قد تكتسي ظاهريا صبغة الائتلاف ويسعى إلى تطويق التعبيرات الديمقراطية والتقدمية التي ما انفكت تفرزها الحركة الشعبية بهدف تهميشها. ولهذه الاعتبارات يرفض حزب العمال الشيوعي التونسي فكرة الميثاق الوطني.

سهام بن سدرين

لن أدخل في تقييم الظرف السياسي العام الذي اندرجت فيه هذه البادرة سأكتفي بتبيين نوعية البادرة والأسئلة التي يمكن أن تجيب عنها. أسجل في البداية أن بادرة الميثاق الوطني في حد ذاتها هي إقرار بأن الحكم بالحزب الواحد والحكم الفردي لا يمكن أن يتواصلا وهذا الإقرار إيجابي لأنه يصادف طموح القوى السياسية لأن يقع تشريكها في تسيير الحياة السياسية للبلاد.

النقطة الثانية هي أن المبادرة صادرة عن السلطة وطبعا السلطة لها مصلحة في طرحها ولكن المبادرة فيها مراهنة وقد يبدو من الغير طبيعي أن تقترح السلطة على المعارضة الاتفاق على بعض القضايا الأساسية ولكن ذلك يفسر حسب رأيي بالنضالات التي خاضتها القوى الديمقراطية فهي التي تفسر لماذا اعتمد الحكم هذه الممارسة السياسيـة الجديدة وجميع الأطراف بخطر ويمكن أن تكون لها مصلحة في إبرام هذا الميثاق لأن البلاد تعيش فترة انتقالية من وضع متأزم في المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحضارية أزمة قوية جدا وخانقة أوصلت البلاد على حافة الهاوية ومن الممكن أن يقع في فترة انتقالية اتفاق على أمهات القضايا إذا توصلت السلطة ومختلف الأطراف تربط بعضها ببعض فالسلطة تربط الأطراف والأطراف تربط السلطة بمستوى معين من الالتزامات التي يتفق الجميع على أنها ضرورات الساعة وكان حمة قد تحدث عن القضايا التي تهم الديمقراطية... وكذلك الوضع الاقتصادي الذي يبدو الاتفاق حوله صعبا ولكن يمكن طرح المشاكل للنقاش وكذلك القضايا الثقافية والحضارية وبالتالي فإنه من الممكن أن تكون هذه البادرة إعادة توزيع للأوراق السياسية على أساس بناء يمكن أن يتفق عليه الجميع...

مبدئيا تبدو وكأنها فكرة غريبة على تقاليدنا السياسية وتظهر فيها مخاطر والمخاطر موجودة ولكن يجب ان توجد مبررات موضوعية بحكم هذه القطيعة مع الحكم الفردي من ناحية والفترة الانتقالية التي تمر بها البلاد. وكل هذا مرتبط بمحتوى هذا الميثاق الذي سيكون محددا لملامح الاتفاق ولكن كممارسة وكتقليد سياسي هو شيء إيجابي.

محمد لخضر

لن أعبر عن رأي رسمي للحزب لأننا لم نتوصل بعد لضبط موقف نهائي من المبادرة لذلك سأقدم بعض الأفكار الشخصية. كما أعتبر أن اتخاذ موقف من الميثاق لا يمكن أن يكون إلا حسب محتواه إذن ليس من الممكن اتخاذ موقف نهائي وجملي فيمكن أن نتناول الميثاق من مستويات مختلفة.

أولا فهذا المقترح تتوجه به السلطة إلى قوى سياسية معارضة وتنظيمات اجتماعية. ومن هذه الزاوية فهو إيجابي لأن فيه إقرار واعتراف بأن هنالك آراء صالحة وقوى لا تقل وطنية عن السلطة يمكن أن تساهم في بناء المجتمع السياسي.

المستوى الثاني هو المحتوى وكما أسلفت فإن السلطة لم تحدد المحتوى وهو مبدئيا شيء غريب تطرح السلطة مثل هذه الفكرة على المعارضات وعلى الرأي العام دون أن تحدد محتواها.

أتصور بعض المحتويات الممكنة فلا يمكن أن يكون هنالك اتفاق على توجهات أو برامج اقتصادية وإذا كانت هنالك نية في هذا الاتجاه فإن الميثاق يكون مبادرة يستحيل انجازها كما لا يمكن أن نتفق على نموذج اجتماعي لأن هنالك اختلاف حول نموذج المجتمع الذي تطمح إليه مختلف الأطراف.

أعتقد أنه يجب أن نحصر محتوى الميثاق على طرق وأساليب تعامل سياسي وهنالك وجهتي نظر. من جهة المعارضة ليس هنالك أي إشكال لإنجاز الميثاق لأنه أنجز بعد فالمعارضات قد تحلت تصرفاتها بالمسؤولية والأخلاقية الكافية. السلطة هي التي في حاجة إلى ضبط ميثاق لنفسها فهي التي تعسفت وحاولت تكسير بعض المنظمات الشعبية... من هذا المنظار لا يحرجنا ضبط هذه القواعد في ميثاق يبقى أن أضيف أن الميثاق الوطني باعتباره عقدا يجب، مثلما يقال في الصياغات القانونية أن يقع تحرير هذا العقد عن حسن نية، أن تتوفر لدى إقرار الميثاق حسن نية جميع الأطراف... ومن قواعد التعامل وحسن النية أن لا يستغل موقع السلطة لتمرير أمر واقع والميثاق يفقد إذن قيمته وجدواه... التسلسل الذي يؤدي إلى إبرام الميثاق هو تسلسل مغلوط لأن السلطة هي بصدد تكريس جزئي لبنود هذا الميثاق بصفة وحيدة الجانب فوقع تحوير الدستور الذي لم يستجب لما هو مطلوب من تعزيز دور المؤسسات والهيئات التمثيلية كمجلس النواب بل عزز الطابع الرئاسي في نظام كان أكثر من رئاسي وقانون الأحزاب الذي لن أكرر بصدده ما قاله حمه وأضيف أنه يضع الأحزاب دائما في موقع اتهام فيعكس القاعدة الدستورية التي تفترض البراءة حتى يثبت الاتهام فهو مصيبة كبرى على الأحزاب الموجودة والتي تطمح للوجود القانوني وكذلك قانون الصحافة... إذا كان هنالك سعي جدي لضبط ميثاق يجب أن يكون من الشروط الأولى لحسن النية استعداد السلط لمراجعة هذه القوانين.

هذه تقييمات جزئية، التقييم الشامل للميثاق الوطني أنه يؤكد أن السلطة متناقضة لأن فكرة الميثاق الوطني هي إقرار للتعددية وسعي لمواجهتها وهذا يصح أيضا بالنسبة للإجراءات التي اتخذت من إلغاء محكمة أمن الدولة إلى قانون الإيقاف التحفظي والقوانين الأخرى التي تحدثت عنها فهنالك استرتيجيا لإعادة صياغة الدور الهيمني التعسفي للدولة وإعادة توزيع الأوراق بين مختلف السلط بصورة تتخلص السلطة التنفيذية من المظهر التعسفي للدولة الذي ميزها قبل 7 نوفمبر وتحاول توزيعه على أطراف أخرى فيكون قانون الأحزاب مثلا من مسؤولية مجلس النواب كما أن حل الأحزاب والايقافات الطويلة المدى حسب هذا القانون هو من صلوحيات القضاء.

في الممارسة عبرت السلطة على عجز نسبي على إعادة توزيع الأدوار هذه وكان هنالك تشريك صوري لأنه لم يقع أخذ رأي الآخرين بعين الاعتبار بتاتا ولكن هنالك تناقضات وهنالك مجال للعمل السياسي وهنالك مجال للاستفادة من كل المظاهر الايجابية لما فيه صالح القوى التقدمية والديمقراطية.

التيجاني حرشة

في مواصلتنا للنقاش حول هذه المبادرة يمكن أن نعتمد منطلقا نظريا أو منطلقا واقعيا أي من التجارب التي مرت بها البلاد طيلة ثلاثين سنة وأنا شخصيا أحبذ الطريقة الثثانية لأن لنا تجارب مرة في هذا الميدان، دستور البلاد الذي هو أهم ميثاق، فأول تجربة هي دستور 1959 الذي نص على ضمان الحريات الفردية والعامة وعلى فصل السلط ولكن ذلك لم يقع احترامه وديست الحريات... ولنا تجربة ثانية في الميدان الاجتماعي حيث وقع في مطلع السبعينات إقرار سياسة تعاقدية وأبرمت العقود بين السلطة والأعراف واتحاد الشغل واتفقوا على ميثاق يضمن تقاسم الأدوار في الهياكل المنتجة وتطور القدرة الشرائية ولكن التجربة لم تعمل وانقلبت الأمور في أواسط السبعينات وعدنا إلى القمع والمحاكمات... فالمواثيق تعددت ومنيت بالفشل لنفس الأسباب التي أخص بالذكر منها نظام الحزب الواحد والحكم الفردي وانحياز الدولة فلا يمكن إرساء ميثاق وطني دون القضاء على هذه الأسباب ولا يتحقق ذلك بمجرد إعلان النوايا وإمضاء عقد بل بإجراءات هيكلية مؤسساتية تضمن المساهمة الشعبية في اتخاذ القرار والمراقبة والمحاسبة المستمرة من طرف منظمات شعبية ممثلة.

سهام بن سدرين

لن أعود إلى تقييم الماضي لأن هذا خارج عن الموضوع. سأتحدث عن الشروط التي يجب أن تتوفر لإرساء هذا الميثاق. من غير الواقعي أن ننتظر من الميثاق إرساء أخلاقية سياسية جديدة والانتقال من فترة تعسف وتسلط إلى فترة حضارية تتطلب قرونا من التراكم هنالك إمكانية واحتمال لأن يكون هذا الميثاق لبنة نحو إرساء أخلاقية سياسية حضارية فعلى الأقل يجب أن تحترم السلطة القوانين التي ترسمها فما عشناه قوانين فيها جوانب مقبولة وواقع مخالف لا يجب أن نتصور أنه وقعت ثورة في البلاد وأن بن علي سيغير كل شيء ويحقق لنا كل رغباتنا عندها نخطئ حتى في تحديد طبيعة المرحلة يجب أن نقر بعض المبادئ الأساسية من المواطنة قيمة حضارية وأن للمواطن حقوق لا يجوز لأحد أن يدوسها وبأن حق التعبير عن الرأي المخالف هو مبدأ هام بما فيها في البنود التي سيضمها الميثاق وبأن الكرامة الوطنية قيمة من الضروري ترسيخها والكرامة المادية التي هي قاعدة الكرامة المعنوية... وهذا خطوة وهي مرحلية إذا تصورنا أن الميثاق سيدوم مدى الحياة فهنالك فعلا خطر الذوبان والرجوع إلى منطق الحزب الواحد والرأي الواحد... القضية الثانية التي يجب إقرارها هو أن هذا الميثاق هو معنوي لا يجب أن يعوض القوانين والدستور وأحد بنود الاتفاق يجب أن يكون ضرورة احترام الدستور الميثاق يمكن أن تكون له أهمية وهي أن يرسخ بعض القيم في الممارسة ويضمن شيئا من التطور الحضاري لهذه البلاد التي كانت على حافة هاوية وهنالك قضايا هامة لم يقع حلها القضية الاقتصادية وحتى القضية الديمقراطية.

أعود إلى محتوى الميثاق، أعتقد أنه يمكن أن يشمل كل الميادين على أساس الاتفاق على الحد الأدنى أنا لا أوافق محمد لخضر عندما يقول أنه لا يجب التعرض إلى الجانب الاقتصادي... فالبلاد تمر بأزمة اقتصادية وهنالك قضية التداين وهنالك سياسة يريد أن يفرضها صندوق النقد الدولي والتي شرع في تطبيقها وأنا أحتفظ برأيي وبانتقاداتي لهذا التوجه ولكن يمكن ضبط نقاط اتفاق دنيا مثل قضية الأجور التي تدهورت كثيرا فيجب طرح هذه القضية فلا نطالب بالتعويض الكامل وبتحسين المقدرة الشرائية ولكن يمكن الاتفاق على تعويض جزء هام (30%) لمدة محددة (سنة) وضبط برنامج لتدارك تدهور الطاقة الشرائية حتى تكون التضحيات متقاسمة بين الأعراف والعمال... لن أتعرض لكل الجوانب ولكن هنالك أيضا التفويت في القطاع العام للقطاع الخاص الذي فيه الكثير من التفريط يمكن قبول التفويت في بعض المؤسسات السياحية والصناعية مع الاتفاق على الحفاظ على قطاعات استراتيجية مثل النقل والصحة... التي يجب تطهيرها لأن البعض يتصرف فيها وكأنها قطاع خاص... فحتى في الميدان الاقتصادي هنالك أشياء يمكن الاتفاق عليها وأن تكون فيها ضغوطات على السلطة حتى في علاقاتها مع صندوق النقد الدولي...

على المستوى السياسي يجب إقرار دولة القانون لا كمحتوى فارغ كما يجب التخلي عن التسرع في إقرار قوانين أساسية (عضوية) يتم عرضها أمام البرلمان الذي هو بتركيبته الحالية غرفة تسجيل في حين لم يتم طرح قضية الانتخابات السابقة لأوانها ولن أطيل في المسائل الديمقراطية التي فيها اتفاق من الجميع يبقى الجانب الثقافي وأعتقد أنه يجب إيلاء أهمية إلى إعادة الاعتبار للهوية الثقافية للمجتمع التونسي في برامج التعليم وبتعريب الإدارة وإعطاء الإنتاج الثقافي التونسي مكانته.

كلمة للإجابة على سؤال إذا ما كان اليسار سيفقد هويته بالمشاركة في الميثاق أعتقد أنها مسألة ثقة في النفس فعندما تعرف من أنت وتكون برامجك واضحة فخطر الذوبان غير مطروح ولا أعتقد أن اليسار يفقد ذاتيته عندما يدخل في تفاوض وفي كل تفاوض هنالك تنازل عن بعض الأشياء وتمسك بأشياء أخرى وسيكون دور اليسار متميزا بالنسبة للقوى الليبرالية لأنه لن يقتصر على الجوانب السياسية، بل سيدافع عن الحقوق الاجتماعية للمواطن فلا يضيع اليسار هويته عندما يكون يمارس في برامجه وفي سياسته وشعاراته.

حمه الهمامي

أريد ان أعلق على بعض ما ورد في التدخلات السابقة. أولا على ما جاء في تدخل لمحمد لخضر من أن "الميثاق هو اعتراف ضمني بالتعددية وفي نفس الوقت سعي لمواجهتها". أقول إن هذا الاعتراف لم يأت إلا بعد فشل ثلث قرن من القمع في منع قيام تنظيمات معارضة. أما الأمر الثاني فهو شكلية الاعتراف وما القوانين والممارسات التي ما تزال قائمة على مصادرة الحريات إلا دليل واضح. ومثال ذلك قانون الأحزاب ومشروع قانون الصحافة وتواصل منع الاجتماعات العمومية حتى بالنسبة للجمعيات والمنظمات المعترف بها واحتكار وسائل الإعلام ونعتقد ان الميثاق لن يكون من طينة مخالفة.

ثانيا: ذكر البعض في سياق حديثه أن الأمر لا يتعلق ببرنامج ثورة وكأنه رأى في رفضنا لفكرة الميثاق تطرفا أو شططا. والحال أننا لسنا هنا بصدد برنامج ثورة بل نتناول قضية تكتيكية بحتة. والبديل المباشر الذي نطرحه شاهد على كون الأمر عندنا يتعلق الآن بمطالب ملحة يستوجبها تفريج كربة الشعب التونسي الذي تضرر طويلا وكثيرا من الدكتاتورية البورقيبية.

محمد لخضر

فيما يخص محتوى الميثاق ليس لي ما أضيفه على كلام سهام وأصادق عليه في خطوطه الكبرى فهذا الميثاق إن تم يجب أن يضم بابين، باب يتعلق بالشكليات وقواعد وأخلاقيات التعامل وعدم استعمال السلطة لفرض مواقف فيجب اعتبار الدولة دولة الجميع ورئيسها رئيس جميع التونسيين والفصل بين الدولة والحزب..إلخ. الباب الثاني هنالك فعلا أمور دنيا يمكن الاتفاق حولها كمسألة التفويت في القطاع العام والمكاسب في ميادين الصحة والتعليم حتى لا يتم التراجع عنها... فعندما قلت أنه لا يمكن الاتفاق على المجتمع المستقبلي ونمط المجتمع والتوجهات الاقتصادية فلا أنفي أن هنالك قضايا عاجلة يمكن الاتفاق حولها كيف لا نتفق مع السلطة حول مسألة الأجور أو غيرها من القضايا التي طرحتها القوى الديمقراطية.

هنالك جانب لم يقع طرحه في الأسئلة هو جانب الإجراءات وهي من المسائل الهامة التي يمس الشكل فيها الجوهر فمثلا نشرت صحيفة لابراس مقالان يعبران عن وجهة نظر الجريدة يقول الأول أن هنالك لجان بصدد تحضير الميثاق وسيقع عرضه على بقية الأطراف حتى تصادق عليه أو ترفضه وموقف ثاني يقول أنه سيقع نقاش بين كافة الأطراف... أعتبر أنه من الخطير اعتماد المنهج الأول... أما المنهج الثاني فهو منقوص لأنه لا يجب أن يقتصر النقاش بين قيادات منظمات. هذا جانب هام ولكن هنالك قوى وشرائح اجتماعيةيهمها هذا الميثاق لذا يجب اطلاع الرأي العام على النقاشات وتمكينه من المساهمة فيها.

وفيما يتعلق بالسؤال حول إذا ما كان اليسار سيفقد هويته أعتقد أنه إذا كان محتوى الميثاق مستجيبا للأهداف التي تحدثنا عنها ليس هنالك مشكل فقدان الهوية هنالك قواسم مشتركة بين المعارضات والسلطة يمكن ضبطها في وثيقة... الخطر هو– وهذا طبيعي- أن تحاول السلطة توظيف الميثاق لمواجهة التعددية والحد من فحواها لذلك يجب أن يكون كل ما يتعلق بأخلاقيات التعامل محل نقاش بدون استثناء لأي مسألة حتى لا تحرم المعارضات واليسار من عرض آرائها في بعض المسائل لأن هذا الأمر غير مقبول.

التيجاني حرشة

فيما يخص المحتوى هنالك نقطة أولى تتعلق بالدستور ونقطة ثانية بالاختيارات التنموية وثالثة حول المشاكل الاجتماعية ففي ما يخص الدستور هو في حاجة إلى مراجعة جوهرية. لا يتعلق الأمر ببند أو اثنين بل يجب إعادة النظر في نوعية الحكم من الأساس فالدستور الحالي يكرس حكما فرديا رئاسيا مطلقا يمارس كل السلطات وغير مسؤول عن أي شيء.

المستوى الثاني يتعلق بمفهوم التنمية. هنالك لخبطة بالنسبة لما عشناه في الماضي فالتنمية كانت عبارة عن مجموعة حسابات وأرقام ومرابيح وليس هذا هو المفهوم الصحيح. فالتنمية هي أساسا توفير أسباب الخروج من الخصاصة والتخلف والجهل والمساهمة في الخلق والابتكار. أما المحور الثالث فهو الميدان الاجتماعي.

أريد أن أشير هنا إلى ضرورة مراجعة علاقات الإنتاج على أسس سليمة فالعامل يعتبر حاليا عنصرا من عناصر الإنتاج له تكلفة لا بد من الضغط عليها لا دور له سوى بيع طاقته مقابل أجر يتحكم فيه سوق الشغل. لا بد من مراجعة هذه المفاهيم على أساس المساهمة في كل مراحل العمل داخل المؤسسة.وفيما يخص احتمال فقدان اليسار لهويته لا أعتقد أن هنالك خطرا يهدد هوية اليسار لأنه كما قلت في السابق ما هي إلا مرحلة انتقالية ستمهد السبيل لمراحل أخرى تتطلب طول النفس قبل إرساء الديمقراطية في البلاد وإرساء مجتمع جديد ليست هذه أول محاولة ولنا تجارب وقوة اليسار ستبرز في هذا المضمار وفي العمل السياسي اليومي. لذلك لا أرى أن اليسار سيفقد هويته بالمساهمة في بلورة الميثاق عندما يكون أبدى رأيه بكل وضوح وله ثقة في نفسه. بالعكس يجب أن يساهم اليسار بكل كثافة في هذا النقاش.

حمه الهمامي

نحن كحزب نقف مع كل ما من شأنه أن يطور نضال الشعب ويرتقي بوعيه وتنظيمه ويفسح المجال أمامه للمشاركة النشيطة في الحياة السياسية. نحن مع كل ما من شأنه أن يمكنه من قول كلمته في الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفي السياسة الخارجية، أي مع توفير الحرية السياسية المنشودة وضمانها قبل كل شيء. وهذا يعني بالنسبة لنا إعطاء الأولوية –بدل الميثاق وما يمكن أن يتضمن من جمل جميلة وفضفاضة- لدستور ديمقراطي وتصفية كل مرتكزات الدكتاتورية البورقيبية، من قوانين ومؤسسات وهيئات، والاعتراف بالأحزاب السياسية بما فيها حزب العمال الشيوعي التونسي واحترام استقلالية الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد العام لطلبة تونس وسائر المنظمات الجماهيرية الممثلة.

ومن البديهي أن اتخاذ مثل هذه الإجراءات لن يكسب فاعليته إلا إذا اقترن بعفو تشريعي عام يعيد الاعتبار لكافة ضحايا التعسف.

ومن ناحية أخرى وعلى الصعيد الاقتصادي والاجتماعي فإننا نرى عوض الإعلان مثلا عن مبادئ عامة ومجردة قد يتضمنها الميثاق مثل العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص وتحقيق الرخاء، أن المطروح مباشرة –ولو متأخر عن أوانه- هو فتح ملف الأزمة على نطاق واسع لتتم مناقشته من طرف الشعب والقوى السياسية والمهنية للوقوف على الأسباب الحقيقية للأزمة وتحديد المسؤوليات فيها وطرح العلاج المناسب. ينبغي أن يقترن ذلك مباشرة بإدخال التحسينات اللازمة على أوضاع المعيشة والشغل والدراسة والسكن والصحة وغيرها. إننا ضد تخليص فاتورة الأزمة من جلود الفقراء والمعوزين، من جلود العمال والفلاحين والحرفيين والموظفين الصغار والطلبة والتلاميذ والمحرومين، ونطالب بتحميلها للمتسببين الحقيقيين فيها أي للأثرياء والمترفين الذين انتفعوا زمن الرخاء والشدة على حد السواء. وبدل تدبيج الكلام حول الهوية فنحن نرى ضرورة الإقبال على تعميم التعريب وعلمنة البرامج الدراسية وفتح الآفاق أمام البحث والإبداع للربط مع تقاليد الأجداد ودفع المجتمع على سكة النهضة والتصدي للظلامية. وأخيرا وأفضل من ألف خطاب عن السيادة والاستقلال نرى ضرورة المباشرة بحل اللجنة العسكرية التونسية الأمريكية المختلطة وتوقيف تدخل صندوق النقد الدولي في شؤون اقتصاد البلاد وإلغاء قواني أفريل 72 وأوت 74 وجويلية 76 وغيرها وإتاحة الوسائل الكفيلة بدعم القضية الفلسطينية إلخ.. أمام هذه المطالب الحيوية والملحة التي تقتضيها حالة الطبقات الشعبية تصبح الضجة حول "ميثاق وطني" ضربا من التلهية والتهميش. وفي النهاية أود أن أقول شيئا... إذا كان المقصود بـ"الميثاق الوطني" ما كان طرحه المؤتمر العاشر للحزب الدستوري من ضرورة الالتزام بنبذ التبعية للخارج وعدم استعمال العنف والتمسك بالمكاسب إلخ.. فإنني أتساءل: من ينصح من بنبذ التبعية للخارج، من ينصح من بالتمسك بالمكاسب القليلة الاجتماعية والسياسية التي حققها الشعب التونسي بنضاله؟ أظن أن كلامي مفهوم.

هل يفقد اليسار هويته بالدخول في "ميثاق وطني" مع السلطة؟ أعتقد أن هنالك أطرافا عديدة تطرح نفسها صلب اليسار ولكل طرف من هذه الأطراف خطه الفكري والسياسي وتكتيكاته التي تحدد موقعه في النضال الاجتماعي والوطني كما تحدد تعامله مع القضايا التي تطرح على الساحة مثل قضية "الميثاق الوطني" ولا يمكننا بالتالي الحديث عن يسار منسجم. إن كل طرف منه حر في المواقف التي يتخذها وهو مسؤول عنها أمام قواعده وأمام الشعب والتاريخ. ومن ناحيتنا وبالنظر إلى طبيعة الميثاق المطروحة فإننا ندعو كل القوى الديمقراطية إلى التعامل معها بمسؤولية حتى لا يكون لذلك انعكاسات سلبية على الحركة الديمقراطية والشعبية. وفي رأينا فإن المحاور البرنامجية المباشرة التي ذكرناها يمكنها أن تشكل قاعدة لعمل مشترك حقيقي يعود بالنفع على هذه الحركة.

"الطريق الجديد"، الأربعاء 25 ماي 1988


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني