الصفحة الأساسية > كتب ومنشورات > حزب العمال الشيوعي التونسي: موقف ثابت ومتماسك من انقلاب 7 نوفمبر 1987 > في الذكرى الخامسة لانتفاضة الخبز
الفهرس
حزب العمال الشيوعي التونسي: موقف ثابت ومتماسك من انقلاب 7 نوفمبر 1987
في الذكرى الخامسة لانتفاضة الخبز

يحيي الشعب التونسي في مفتتح هذه السنة الجديدة الذكرى الخامسة لانتفاضة الخبز المجيدة. فمنذ خمس سنوات خلت وعلى إثر الزيادة في أسعار الخبز ومشتقات الحبوب الأخرى، التي مثلت اعتداء صارخا على قوت أوسع الفئات الشعبية، هب مئات الآلاف من الفقراء والمحرومين من كافة أنحاء البلاد ليرفضوا هذه الزيادة معبرين عن غضبهم وعن نقمتهم بالتظاهر في الشوارع والهجوم على مراكز السلطة والمال وعلى مظاهر البذخ والترف وبالتمرد على القوانين الفاشية. وقد تواصلت هذه الأعمال لمدة ستة أيام كاملة عجز القمع الدموي وإعلان حظر التجول وحالة الطوارئ على إيقافها مما أجبر بورقيبة على التراجع والعودة إلى العمل بالأسعار القديمة. فكانت هزيمة له وانتصارا عظيما للجماهير الشعبية، انتصارا دفعت ثمنا له عشرات الضحايا من أبنائها الأبرياء الذين سقطوا برصاص الجيش والبوليس ومئات الموقوفين والمعتقلين الذين شارف عدد منهم حبل المشنقة على إثر محاكمات صورية.

وعلى خلاف السنوات الثلاث الأولى التي تلت "انتفاضة الخبز" فإن الشعب التونسي يحيي هذه السنة ذكرى هذه الانتفاضة وقد تمت بعد إزاحة بورقيبة منذ سنة ونيف من أعلى رأس السلطة. ومن المعلوم أن الذين أزاحوه وعدوا الشعب بـ"عهد جديد" ملؤه الديمقراطية والرفاهية، عهد يسترجع فيه كل ذي حق حقه وترفع فيه المظالم الكثيرة التي تميز بها حكم بورقيبة. ومن حق الشعب أن يتساءل اليوم وهو يحيي ذكرى "انتفاضة الخبز" أن تحقق له شيء من تلك الوعود. وفي هذا الصدد فإن تقييما موضوعيا لما جرى ويجري منذ إزاحة بورقيبة يبين لنا أن أوضاع الجماهير الشعبية لم تتغير في جوهرها وأن الوعود الكثيرة التي أغدقتها عليها الرجعية الدستورية الحاكمة وعود زائفة.

إن أول حقيقة تتجلى للعيان بمناسبة إحياء الذكرى الخامسة لانتفاضة الخبز هي أن عددا من الذين حوكموا وسجنوا على إثرها مازال يقبع في السجن وأن المئات من أطلق سراحهم ظلوا محرومين من حقوقهم المدنية والسياسية وهم يعاملون كمجرمي حق عام. وفضلا عن ذلك فإن الذين سقطوا برصاص الجيش والبوليس لم يرد لهم الاعتبار ولم تقدم الدولة لأهاليهم أي تعويض. وبالمقابل فإن الذين قتلوا وقمعوا وسجنوا مازالوا ينعمون بالجاه والمال حتى وإن أبعد بعضهم عن مراكز السلطة منذ عهد بورقيبة.

والحقيقة الثانية التي لا يختلف فيها عاقلان هي أن الحالة المادية للشعب لم تتحسن. إن صندوق النقد الدولي الذي أعطى بالأمس الأمر بالزيادة في سعر الخبز ومشتقات الحبوب الأخرى هو الذي لا يزال يسير اقتصاد البلاد، هو يعطي التعليمات والحكومة تنفذ. وها أن تونس، نتيجة ذلك، تسير نحو الإفلاس التام. فالديون الخارجية تزداد والأسعار ترتفع باستمرار والبطالة تتفاقم والخدمات الصحية والثقافية تتردى. إن الكادح التونسي عاملا كان أو فلاحا أو موظفا صغيرا يشعر بأن حياته تحولت إلى جحيم نتتيجة هذه الوضعية. وبالمقابل فإن الأقلية الثرية ما تنفك تلقى من قادة "العهد الجديد" كل التشجيعات من عفو جبائي وقروض بفوائض طفيفة وتسهيلات ديوانية وتخفيضات في الضرائب.

وعلى صعيد آخر فإن نفس الحزب الذي كان سنة 1984 وراء قمع الانتفاضة قمعا دمويا هو الذي لا يزال ماسكا بالسلطة. والبرلمان الذي صادق على الزيادة في الأسعار وعلى ذلك القمع الدموي هوهو عدا قلة قليلة غادرته لسبب أو لآخر لتعوض بعناصر لا تقل عنها فاشية وغطرسة.والقوانين الجائرة التي حوكم بمقتضاها أبناء الشعب من الفئات الكادحة لا تزال سارية المفعول. والجهاز القضائي الذي تولى مهمة محاكمتهم لا يزال على حاله جهازا غير ديمقراطي في خدمة السلطة التنفيذية. وحتى بعض الأحزاب التي تم الاعتراف بها فهي محاصرة من كل جهة ومدعومة باستمرار لتلعب دور الديكور. والشعب لا يزال محروما من جميع حقوقه الديمقراطية مثل حق التنظم وحق التعبير والاجتماع والتظاهر.

إن جميع هذه المعطيات تؤكد أن أوضاع الشعب لم تتغير في جوهرها، بل إنها تزداد سوء في العديد من ميادين الحياة. إن النظام الدستوري الذي يمثل مصالح الطبقات الثرية الرجعية في بلادنا يحاول أن يوهم الشعب بأن أوضاعه تغيرت حتى يخدعه ويضلله ويجعله لا يدافع عن حقوقه المادية والمعنوية بحزم وثبات. لذلك فإن الشعب التونسي، وهو يحيي الذكرى الخامسة لانتفاضة الخبز مدعو اليوم إلى مزيد من اليقظة حيال مناورات الرجعية الحاكمة، مدعو إلى الوعي بأن السبيل الوحيد لتحقيق مطالبه الملحة هي سبيل النضال، سبيل الاستلهام من "انتفاضة الخبز المجيدة". إن الشعب يوجد اليوم في ظروف أفضل من الظرف الذي كان عليه سنة 1984. فإذا كانت جميع الأحزاب خانته وقتها واصطفت وراء بورقيبة، فاليوم يوجد على الساحة حزب العمال الشيوعي التونسي الذي ليس من مصلحة له يدافع عنها سوى مصلحة الطبقات والفئات الشعبية. إن هذا الحزب الذي تم الإعلان عن تأسيسه في الذكرى الثانية لانتفاضة الخبز (3 جانفي 1986) قد نما وترعرع في النضال، كان ولا يزال إلى جانب الشعب التونسي في دفاعه عن مصالحه ومطامحه وهو الحزب الوحيد الذي لم ينخدع بانقلاب 7 نوفمبر وظل يقول الحقيقة كاملة للشعب.

إن حزب العمال الشيوعي التونسي يدعو جميع الكادحين وكل القوى الثورية والديمقراطية بمناسبة الذكرى الخامسة "لانتفاضة الخبز" يدعوهم إلى الالتفاف حول المطالب التالية التي تكتسي اليوم طابعا ملحا":

- من أجل رد الاعتبار لجميع شهداء انتفاضة الخبز ولجميع ضحايا الدكتاتورية الدستورية الذين سقطوا على مدى الثلاثين سنة ونيف الأخيرة واعتبارهم شهداء تونس.
- من أجل التعويض المادي لجميع ضحايا الدكتاتورية الدستورية.
- من أجل إطلاق سراح جميع المعتقلين على إثر انتفاضة الخبز وسن عفو تشريعي عام يشملهم كما يشمل جميع من حوكموا لأسباب سياسية أو نقابية.
- من أجل إيقاف برنامج "الإصلاح الاقتصادي" المملى من طرف صندوق النقد الدولي.
- من أجل تجميد الأسعار والزيادة في الأجور بما يعوض ما حصل لها من تدهور ويحسن في أوضاع الكادحين.
- من أجل أجر أدنى صناعي وفلاحي موحد بـ:180 دينار.
- من أجل مجانية فعلية للصحة والتعليم.
-  من أجل حق الشغل لجميع العاطلين عن العمل.
-  من أجل عفو عام يشمل الديون المتخلدة بذمة الفلاحين الصغار.

حزب العمال الشيوعي التونسي، 1 جانفي 1989


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني