الصفحة الأساسية > كتب ومنشورات > حزب العمال الشيوعي التونسي: موقف ثابت ومتماسك من انقلاب 7 نوفمبر 1987 > بيـان
الفهرس
حزب العمال الشيوعي التونسي: موقف ثابت ومتماسك من انقلاب 7 نوفمبر 1987
بيـان

إن النتائج التي تمخضت عنها الانتخابات الرئاسية والتشريعية السابقة لأوانها والتي أفضت إلى احتكار الحزب الحاكم مجددا للمجلس النيابي ورئاسة الدولة تؤكد صحة موقف حزب العمال الشيوعي التونسي من هذه الانتخابات، إذ أدرك منذ البداية افتقارها إلى أدنى الشروط والضمانات التي تجعلها حرة وديمقراطية وبالتالي معبرة عن إرادة الشعب، فنادى بمقاطعتها.

لقد جرت انتخابات 2 أفريل في ظل حرمان آلاف المواطنين والمواطنات من حقوقهم المدنية والسياسية واستثناء العديد من الأحزاب غير المعترف بها، والقيود المفروضة على حرية التعبير والصحافة والاجتماع وإدارة وإعلام يحتكرهما الحزب الحاكم، وفي ظل قانون انتخابي جائر، فضلا عن عدم ترسيم كل من يحق لهم الانتخاب، وعدم مد الآلاف من المرسمين ببطاقاتهم الانتخابية مما جعل عدد المقترعين في نهاية الأمر –إذا طرح الذين أمسكوا عن التصويت أيضا- يقل عن نصف العدد الجملي للذين هم في سن الانتخاب.

وبديهي أن انتخابات في مثل هذه الظروف وتحت طائلة هذه القيود لا يمكن أن تكون إلا لصالح الحزب الحاكم الممسك بخيوط اللعبة، والذي أراد مثلما فعل متملقوه وخدمه الجدد كي يبتزوا أصوات الناس ويزيفوا إرادتهم، ولم يترددوا – ما دامت الغاية تبرر الوسيلة – حتى في استغلال شيخوخة مخلوع الأمس بورقيبة الذي خلعوه لأنه "عاجز ومخبول" ثم هو ذا يصبح عاقلا ومسؤولا لأنه يصوت لفائدة ابنه الزين و"الورقة الحمراء". ومرة أخرى تتجلى صحة تحاليل حزب العمال الشيوعي التونسي ويتجلى سداد موقفه حين دعا إلى مقاطعة هذه الانتخابات.

فقد كان واضحا لديه، بناء على وعيه بمجريات الصراع الطبقي بالبلاد وبطبيعة التطورات الحاصلة في صفوف الأنظمة الدكتاتورية التقليدية في علاقة بمخططات الامبريالية، أن قادة 7 نوفمبر إنما كانوا يبذلون قصارى جهدهم لإضفاء الشرعية على انقلابهم وعلى الخطوة القادمة في تجويع الشعب التونسي عن طريق "الانتخابات" ولم يكن يحركهم إحلال الديمقراطية وإعادة الاعتبار لسيادة الشعب ونهضة تونس كما يزعمون. فإنهم لم يترددوا في الدوس على هذه المبادئ كمن سبقهم وإحاطة تطبيقها بشتى القيود والعراقيل.

لم يخف عن حزب العمال هذا الغرض من انتخابات 2 أفريل كما لم يخف عنه أن أية مشاركة مهما كانت صيغتها في ظل الظروف الذاتية والموضوعية التي تحيط بها، لا يمكن أن تؤدي إلا إلى خدمة الفاشية في ثوبها النوفمبري الممسكة بخيوط اللعبة وهي تقول: تنافسوا أيها السعداء !!

فمنذ البدء استثنى مئات الآلاف من المواطنين الشبان والمثقفين، من ممارسة حقهم الانتخابي، سواء بعدم ترسيمهم ضمن القائمات الانتخابية أو لأنهم سبق أن حوكموا في قضايا سياسية ونقابية، وقد بلغ عددهم 31% من جملة الذين هم في سن الانتخاب، وإذا أضيف إليهم عدد المرسمين الذين لم يتلقوا بطاقاتهم وعدد الذين أمسكوا عن التصويت فإن نسبة عدم المشاركة ترتفع إلى أكثر من 50%، ودائما حسب الإحصاءات الرسمية التي تنشرها الصحف. فأية شرعية تتحدث عنها الرجعية "المنتصرة"؟

كما أحدثت أو روجعت القوانين الخاصة بالصحافة والأحزاب والانتخابات على قياس مصالح الماسك بالسلطة واتخذت كل الإجراءات لتمتين علاقة الدين بالدولة والتضييق على الحريات الفردية والعامة باسم "المقدس" وإخصاب التربة أمام إخوان الظلام، وذلك فضلا عن تواصل احتكار الحزب الحاكم للإدارة، ورفضه الوجود القانوني لعدد من الأحزاب من بينها حزب العمال إلى غيرها من الأوضاع المانعة لممارسة حرية الاختيار وتكريس إرادة الشعب.

ثم جاءت الحملة الانتخابية وديس على كل الأخلاق الحضاريـة والقيم الديمقراطية، فاشتريت الضمائر والأصوات بالمال ومورست ألوان المساومات وتسابق معظم المشاركين وخاصة الحزب الحاكم وظلاميو القائمة البنفسجية، إلى استغلال المشاعر الدينية للناس وتوظيف المساجد، إلى ملكية الله فتبجح الأول بأن "يد الله مع التجمع" ورد هؤلاء، بل "يد الله مع الجماعة". ووجد بعض الشيوخ الذين لزموا حورهم عشرات السنين الفرصة ليخرجوا تحت لواء الزين "الشيخ خليف" أو الغنوشي "الشيخ الأخوة" ويتقيأوا دعواتهم البدائية المعادية لأبسط حقوق الإنسان، والمرأة على وجه خاص، ويتهجم بعضهم جهرا ووسط التكبير والتهليل، على رموز الفكر النهضوي ببلادنا طيلة هذا القرن، ويحول الاجتماعات الانتخابية إلى أماكن لثلب وتكفير المثقفين والأحرار تحت راية وحماية الزين وقضائه.

ثم جاء يوم 2 أفريل وبلغ استنفار الميليشيا الدستورية أوجه في كل مكان، ومورست حول صناديق الاقتراع وأمامها كافة أشكال الضغط والاكراه والمساومة، وخرق أبسط قواعد التصويت القانوني، من سرية ومباشرة وغيرها، وهي الممارسات التي كان المواطنون شهودا عليها، وضحية لها، والتي كتمها وغطاها أحمد المستيري ونجيب الشابي ومحمد بلحاج عمر وعبد الرحمان التليلي و"الإخوان المسلمون" وغيرهم إلى ساعة الاعلان عن النتائج وتبخر أطماعهم. عندئذ فقط عادوا يتحدثون عن "التجاوزات الخطيرة" ويقدمون الطعون.

ثم جاءت النتائج بما كان منتظرا من الفاشية الدستورية، وبما لم ينتظره العديدون منها في ثوبها النوفمبري، جاءت بـ"الفوز الساحق" لـ"حامي الحمى والدين" (على من؟) ويتواصل احتكار الحزب الحاكم للمجلس النيابي.

لقد واجه حزبنا هذه المهزلة برفض المشاركة فيها والدعوة إلى مقاطعتها، وبفضحها وتقديم بديله المتمحور حول مطلب "الانتخابات الحرة والديمقراطية والمؤسسات السياسية الممثلة للشعب". وقد توصل مناضلوه إلى مس عشرات الآلاف من المواطنين ولقوا التجاوب مع موقف الحزب وبرنامجه.

لقد أثبتت انتخابات 2 أفريل مرة أخرى إصرار الحزب الحاكم على مواصلة احتكار الحياة السياسية بالبلاد، وأسقطت القناع مجددا عن طبيعته الفاشية التي حاول طيلة المدة الفائتة سترها بالتبني الشكلي لمطالب المعارضة والعمل على إجهاضها. كما أثبتت المهزلة إمعانه في خونجة البلاد وتسهيل مهمة الطاعون الإخوانجي، بما يشكل أخطر تحد يواجه وسيواجه التقدميين الذين يطرح عليهم أن يعوه جيدا ويضاعفوا من اليقظة والتجند لرفعه، حتى يعود المعتقد مسألة شخصية ويترك الدين حلبة الصراع السياسي.

وحزب العمال إذ يحمل الأحزاب والقوى التي شاركت في الانتخابات مسؤولية جسيمة في ما جرى من مغالطة الشعب وتزييف إرادته وتغطية الحقائق واستمرار الدكتاتورية، فإنه يدعو الطبقة العاملة والجماهير الكادحة وكافة القوى التي لها مصلحة في تغيير حقيقي إلى مضاعفة النضال من أجل تحقيق مطالبها ومنها مطلب الانتخابات الحرة والديمقراطية للرئاسة والبرلمان والمجالس البلدية.

- عاش حزب العمال الشيوعي التونسي، حزب الثورة
- خبز حرية لادساترة ولا خوانجية.
-  الخزي لخدم الفاشية: الأحزاب والقوى الانتهازية

صوت الشعب: العدد 78، 30 أفريل 1989


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني