الصفحة الأساسية > كتب ومنشورات > حزب العمال الشيوعي التونسي: موقف ثابت ومتماسك من انقلاب 7 نوفمبر 1987 > رسالة مفتوحة إلى القوى الديمقراطية حول الانفراج المزعوم
الفهرس
حزب العمال الشيوعي التونسي: موقف ثابت ومتماسك من انقلاب 7 نوفمبر 1987
رسالة مفتوحة إلى القوى الديمقراطية حول الانفراج المزعوم

راجت في الآونة الأخيرة أقاويل حول "انفراج" وشيك في الأوضاع السياسية بالبلاد. جاء ذلك إثر لقاء بن علي مع عدد من الشخصيات. ورددت الصحف صدى تلك اللقاءات وشفعتها ببعض التحاليل، كما تزامن الحديث عن "الانفراج" مع قرار المحكمة الإدارية إيقاف تصنيف الرابطة ومع إطلاق سراح 5 من جملة 26 محاكما في قضية حزب العمال بجهة الكاف إضافة إلى بعض "المعونة" المقدمة لبعض الأحزاب الرسمية (مقر لـح.د.ش...) وتنشيط الضجة حول حقوق الإنسان والحريات.
ومن البديهي، بل ومن الواجب، في مثل هذه الظروف أن تتدخل القوى الديمقراطية والتقدمية ضحية القمع، كي تبين حقيقة تلك الأقاويل وتكشف عن طبيعة الإجراءات المذكورة ومدى استجابتها للحد الأدنى الذي يضمن انفراجا فعليا في أوضاع الشعب. وفي هذا الإطار تتنزل رسالة حزب العمال هذه.

1 - لماذا الحديث عن انفراج الآن؟

يعتبر حزب العمال أن إيعاز السلطة بأن انفراجا سيحصل وترديد بعض أتباعها هو في حد ذاته اعتراف بسوء الحالة السائدة وتأكيد آخر على زيف الخطاب الرسمي حول الديمقراطية وحقوق الإنسان وعلى تردي الأوضاع التي ما انفكت القوى التقدمية تناضل وتدفع الثمن من أجل معالجتها.

فقد تدهور الوضع السياسي بعد خمس سنوات من التغيير المزعوم بشكل لم يسبق له مثيل وعاد الغضب ليمس حتى بعض الشرائح التي وثقت في وعود "السابع من نوفمبر" ولم يعد بإمكانها تغطية البون الشاسع الفاصل بين الخطاب الرسمي حول الديمقراطية وحقوق الإنسان وبين الممارسة العملية اللاديمقراطية والمعادية لأبسط حقوق الإنسان وعادت أصوات الحرية تبشر بنهوض جديد للحركة الديمقراطية بعد أن سقطت الأقنعة وتعرى الوجه الحقيقي للسابع من نوفمبر الذي لم تشفع له "الزيارات الفجئية" و"قوافل الخير" و"موائد الإفطار" وتصريحات السماسرة الدوليين... لقد نجحت الحركة الديمقراطية في كسر الطوق المضروب وأسمعت صوتها مما جعل السلطة تقوم بتراجع طفيف وتسعى إلى تفكيك نواة الجبهة المعارضة وضرب تناميها واستعادة الأقنعة الساقطة.

كما أن برنامج "الإصلاح الهيكلي" عمق الأزمة الاقتصادية الشاملة (عجز الميزان التجاري، هبوط قيمةالدينار، غلق المؤسسات وتتالي حالات الإفلاس...) وانعكس على الوضع الاجتماعي (بطالة، تدهور المقدرة الشرائية، تردي الخدمات الاجتماعية...) وأهّل الحركة الشعبية إلى تخزين عوامل النهوض والانفجار تحت كابوس الإرهاب البوليسي المهيمن.

إن هذه المعطيات تجعل السلطة في حاجة أكثر فأكثر إلى سياسة "الحقن" التضليلية لدرء حصول حركة احتجاجية. ويدخل الحديث عن الانفراج والإيهام بانقشاع السحب ضمن هذا المنظور.

وليست هذه هي المرة الأولى التي تعتمد السلطة فيها أسلوب الانفراج بل سبق لها أن فعلت ذلك كلما كانت قادمة على محطات تستوجب حفظ ماء الوجه، بل لقد دأبت سلطة السابع من نوفمبر على هذا النهج في التعامل مع مسألة الديمقراطية خصوصا. وهي محتاجة اليوم إلى ترديد الأغنية لأن عدة محطات سياسية تنتظرها عالميا (ندوات حقوق الإنسان في القاهرة وفي فيينا...) ومحليا (انتخابات تشريعية ورئاسية...) الأمر الذي يستوجب إنقاذ ما أمكن من مظاهر الديكور الديمقراطي.

2 - نصيب الواقع من الانفراج المزعوم:

إن الطابع الشكلي والمحدود جدا للإجراءات التي اتخذتها السلطة بارز للعيان. نسمع جعجعة ولا نرى طحينا. فالرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أوقفت قرار تصنيفها لتمكينها من مهلة كي تتأقلم مع قانون الجمعيات اللادستوري واللاديمقراطي، أي القبول بما كانت رفضته بالأمس، فأين الانفراج؟ ومساجين الرأي لم يطلق سراح سوى خمسة منهم في نفس الوقت الذي يواصل فيه البوليس السياسي مداهمة المنازل وإيقاف المحاكمين غيابيا، ومحاكم الاستئناف تقر الأحكام الصادرة في حق عدد من مناضلي حزب العمال وأصدقائه وأنصاره. فعن أي انفراج يمكن للمرء أن يتحدث؟ أما المجلة الانتخابية فإن التحوير الذي سيدخل عليها والذي عاد الحديث عنه هذه الأيام، سيمكن الحزب الحاكم من الحفاظ على سيطرته على مؤسستي الرئاسة والبرلمان مع تزيين هذا الأخير ببعض الوجوه من المعارضة الرسمية لإعطائه واجهة تعددية لا أكثر ولا أقل. ومن ناحية أخرى فإن "المعونة" المقدمة لبعض الأحزاب (مقر جديد لحركة الديمقراطيين الاشتراكيين، تيسير المؤتمر التأسيسي لـ"حركة التجديد"...) إنما هي مرتبطة بمقدار ما قدمت تلك الأحزاب من خدمات وولاء للسلطة وبمقدار ما تواطأت معها في التضييق على الحريات العامة والفردية والتغطية على انتهاكات حقوق الإنسان (تعذيب، محاكمات رأي...) كما أن الإعلام لم يطرأ عليه جديد فهو كالعادة تحت رحمة الرقابة المباشرة لأجهزة السلطة بوزارة الداخلية وكتابة الدولة للإعلام رغم كثرة الكلام عن "تطويره" والمجالس الوزارية المخصصة له.

وعلى الصعيد الاجتماعي ومهما كان الفتات الذي يلقي به الأعراف للأجراء فإنه ليس من شأنه لوحده وفي حدوده تفريج كربة الطبقات الكادحة، بل ما إن طرحت النقابات خلال المفاوضات الاجتماعية الجارية موضوع تحسين الحالة المادية والمعنوية لمنخرطيها حتى استبدل الخطاب الرسمي الموجه للاستهلاك المحلي والخارجي والمنوه بالنتائج الاقتصادية "الباهرة" بخطاب يتحدث عن الوضع "الصعب" للمؤسسة والاقتصاد ويدعو الأجراء إلى الابتعاد عن "المطلبية المشطة" ومراعاة "المصلحة الوطنية" ويطالبهم بالمزيد من التضحيات.

ويتعرض الشباب الطلابي إلى إجراءات تدعم سياسة الانتقاء والتدجين تحت عنوان "الإصلاح" بصورة لم يجرؤ عليها الحكم البورقيبي في أحلك فتراته وحتى عندما كان الصياح وزيرا للتربية القومية (نظام الخراطيش والمراقبة المستمرة...)، مرة أخرى أين الانفراج المزعوم؟

إن ما دأبت عليه السلطة القائمة بعنوان "الانفراج" لا هدف من ورائه غير خلق الوهم لدى الناس وعرقلة كل تعبئة جدية لتحسين فعلي وشامل.

3 - من أجل انفراج حقيقي لفائدة الشعب:

إن حزب العمال المتمسك دوما بالأهداف التي ناضلت وضحت في سبيل تحقيقها القوى الديمقراطية والتقدمية ببلادنا، لا يرى انفراجا حقيقيا خارج زوال الدكتاتورية الدستورية وقيام نظام ديمقراطي يوفر الحقوق الأساسية للشعب ويضمن للبلاد سيادتها واستقلاليتها على جميع الأصعدة.

لكن التدهور الذي تشهده الأوضاع المادية والمعنوية لأوسع الطبقات والفئات الشعبية يقتضي من هذه القوى الديمقراطية النضال لفرض تحسينات عاجلة وإيقاف التدهور وتوفير ظروف أفضل لمقاومة الدكتاتورية الدستورية وسد الباب أمام التيارات الظلامية وخلفائها الساعين إلى استغلال تأزم أوضاع الفريق الحاكم وتعويض دكتاتورية بأخرى أشد وطأة وأكثر تخلفا.

وفيما يلي أوكد المطالب التي تقتضي التجند حولها بشكل مباشر:

-  إطلاق سراح جميع مساجين الرأي ووضع حد للمحاكمات السياسية.
-  وضع حد لممارسة التعذيب وفرض احترام الحرمة الجسدية والمعنوية لكل مواطن مهما كانت آراؤه ومحاكمة ممارسيه والمسؤولين عنه.
- رفع القيود القانونية والعملية على حرية التعبير والصحافة وإسقاط جميع العقوبات المادية والبدنية المسلطة على بعض الصحافيين.
- الاعتراف بكافة الأحزاب السياسية والجمعيات الراغبة في ذلك دون قيد أو شرط.
- رفع الضغوط القانونية والعملية المسلطة على الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان واحترام استقلاليتها والكف عن مضايقة الجمعيات المستقلة، وتوفير الظروف الملائمة لتقوم بدورها.

إن حزب العمال يعتبر تحقيق هذه المطالب الملحة مدخلا لمعالجة بقية الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وللحديث عن انفراج حقيقي لا يرى من رد على أسلوب المناورة سوى محافظة القوى الديمقراطية والتقدمية على وحدة صفوفها وتطوير روح المقاومة المستعادة للدكتاتورية الدستورية.

حزب العمال الشيوعي التونسي

24 أفريل 1993


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني