الصفحة الأساسية > البديل الوطني > التعليم الذي نريد والتعليم الذي يريدون (4)
التعليم الذي نريد والتعليم الذي يريدون (4)
نيسان (أبريل) 2005

3) لا مركزية أم تقنين تنصّل الدولة من مسؤولياتها

إن غياب الاستقلالية الفعلية في تسيير المؤسسة التربوية يظهر أساسا في المركزية المشطة في التسيير في كافة المراحل التعليمية وفي تدخل العديد من الأطراف الغريبة عنها في تسيير شؤونها الداخلية، مما يكبل المؤسسة ويضرب استقلاليتها الفعلية إداريا وبيداغوجيا. والمقصود بالمركزية احتكار الإدارات المركزية أو الجهوية سلطة القرار في ما يخص طرق التدريس والتسيير والتقييم… أي أن المعلم مطالب فقط بتطبيق مناشير وأدلة بيداغوجية مسقطة مما يحول دون تكييفها مع مؤهلات تلاميذه. وهو ما حوّل مديري المدارس والمعاهد إلى أدوات تنفيذ يقتصر دورهم على تطبيق مناشير إدارية ومالية وبيداغوجية مسقطة دون اعتبار خصوصيات المناخ الذي يشتغلون فيه كأوضاع ومؤهلات التلاميذ والمدرسين أو الوسائل المادية المتوفرة أو الوسط الاقتصادي والاجتماعي للمدرسة أو المعهد.

ومفهوم اللامركزية لم يرد في القانون التوجيهي كإجراء لعلاج هذا الواقع القائم وإنما هو مفهوم يختزل ما رسمته المؤسسات المالية الاحتكارية العالمية والذي يندرج ضمن مخططها "لإدخال أكبر قدر ممكن من المرونة على المنظومة التربوية" وتقليص دور الدولة فيها لتسهيل الانقضاض عليها. ولا يخفى ما لهذه "اللامركزية" و"الاستقلالية" من تبعات خطيرة على العملية التربوية حيث سيقابل الاستقلال عن السلطة المركزية ارتباط أكبر بالسلط والمؤسسات الاقتصادية الجهوية والمحلية والأولياء كما ستبرر وتعمق الفوارق في التكوين المقدم وفي تسيير وتمويل المؤسسات التعليمية التي ستدخل في تنافس لن يكون بالضرورة في صالح المؤسسة بل سيحدث ما يشبه "المقاطعات التعليمية" تعكس المكانة الاجتماعية لمتساكنيها ويكرس انقسام التعليم إلى تعليم للأغنياء وآخر للفقراء. ويبدو أن هذا الموضوع قد لاقى "صدى طيبا" لدى السلطة التونسية التي رأت فيه فرصة للتخلص من إرث يتسم بـ"المركزية المفرطة" (وكأنه يوجد في التعليم فقط…) وذلك بـ"دعم اللامركزية" ولتجسيد ذلك وقع إقرار مشروع المدرسة الذي "يستهدف تطوير طرق العمل وتحسين المناخ وتجويد الخدمات التربوية بتشريك كل الأطراف المعنية في الأسرة التربوية" (الفصل 32 – الباب الرابع – في المؤسسة التربوية- العنوان الأول: في المؤسسات التربوية العمومية- ص 33). أي أن مشروع المدرسة هو الإطار والطريقة التي تمكن كل الأطراف المعنية بوضع وتنفيذ المشروع الخصوصي للمؤسسة التربوية المحلية ولا يتطلب ذلك جهدا كبيرا للوقوف على أن المقصود هو تقنين تنصّل الدولة من مسؤولياتها في تمويل وتسيير ومراقبة المؤسسة التربوية استجابة لتوصيات مؤسسات النهب الدولية (البنك العالمي، صندوق النقد الدولي…) وتبرير تخلصها من مسؤولياتها في مجال الخدمات الاجتماعية بما يزيد من إثقال كاهل الأولياء وخاصة ضعاف الدخل منهم ويسلب أبناءهم حقهم في مجانية التعليم وإجباريته ويجعله حكرا على الفئات الميسورة. كما يحوّل هذا المفهوم المدرسة إلى مؤسسة يشرف على تمويلها وتسييرها غرباء عنها كخطوة أولى نحو خوصصتها والتفويت فيها على غرار ما وقع في قطاعات الصحة والنقل وغيرها من المؤسسات العمومية المجعولة أصلا لتقديم خدمات مهمة وليس للربح والكسب.

وفي الحقيقة فإن تدخل العديد من الأطراف الغريبة عن المؤسسة في تسيير شؤونها الداخلية كان قائما من قبل وإن بصفة غير "مقننة". نذكر على سبيل المثال الشعب المهنية، الشبيبة المدرسية، منظمة التربية والأسرة، المعتمد، الوالي… وقد جاء القانون التوجيهي ليقنن هذا الجانب بإحداث "مجلس المؤسسة" (الفصل 32-ص33) و"المجلس البيداغوجي" (الفصل 33ص33). ففي حين يهدف الأول، علاوة على تنصل الدولة من مسؤولية تمويل المدارس العمومية، إلى إدخال غرباء غير مؤهلين إلى المؤسسة التربوية لتسييرها إلى جانب ضرب العمل النقابي داخل المؤسسة التربوية عبر تشريك المعلمين في مجلس استشاري وصوري لسحب البساط منهم في التعبير الحر عن آرائهم عبر هياكلهم النقابية، فإن الثاني، يهدف إلى مزيد تكريس سلطة الإدارة نظرا للصبغة الاستشارية لهذا المجلس فضلا على تعيين رئيس المجلس خارج دائرة الانتخاب وتقليص حضور المعلمين عبر انتخاب عدد محدود لتمثيلهم.

ملاحظة

(يتبع)



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني