الصفحة الأساسية > البديل العالمي > الشباب الفرنسي يطيح بعقد الشغل الأول
الشباب الفرنسي يطيح بعقد الشغل الأول
22 نيسان (أبريل) 2006

حققت حركة الاحتجاج الواسعة والتي كان في مقدمتها الشباب الفرنسي انتصارا بالغ الأهمية بعد شهرين ونصف من النضالات المطالبة بالتراجع في "عقد الشغل الأول" (CPE - Contrat Première Embauche)، إذ اضطرت حكومة "فيلبان" إلى سحب هذا الإجراء تحت ضغط الشارع واتساع رقعة التحركات. وتكمن أهمية هذا الإنتصار في كونه جاء في الوقت المناسب لعكس الهجوم ضدّ السياسة النيولبرالية المتبعة والتي ما انفكت تسلب العمال حقوقهم ومكاسبهم الإجتماعية.

استهدف عقد الشغل الأول الشباب من دون 26 سنة، وقد جاء ليمدّد فترة التجربة إلى عامين يمكن خلالهما للأعراف طرد العمال دون أن يكونوا ملزمين بتقديم أيّ سبب لتعليل إجراء الطرد، مع ما يعنيه ذلك من إطلاق لعنان الإستغلال الرأسمالي وتجريد للعمال المعنيين بهذا العقد من الدفاع عن أبسط حقوقهم طيلة فترة التجربة. وقد أسرعت الحكومة بإدخال هذا الرهط الجديد من عقود الشغل ضمن الإجراءات التي تضمنها قانون تكافؤ الفرص وحاولت تقديمه على أنه الجواب المناسب لمواجهة تنامي البطالة في صفوف الشباب، علاوة على تقديم مزيد التنازلات والإعفاءات الجبائية وغيرها من التسهيلات لفائدة البورجوازية.

ورغم الدعاية الزائفة التي روّجتها الحكومة حول قانونها الجديد فإنّ ذلك لم ينطل على الشباب الذي هبّ للمطالبة بسحبه فورا. ومنذ البداية أخذت التحركات نسقا تصاعديا شمل مختلف المعاهد الثانوية والجامعات ليمتدّ إلى عديد القطاعات العمالية ويأخذ أشكالا نضالية متنوعة (إضرابات، إعتصامات، إجتماعات عامة، مسيرات، الخ.) وجماهيرية عبّأت الملايين. وعلى خلاف ما كان يحدث في تحركات سابقة حيث يتحرّك العامل بمعزل عن الطالب وتتحرك النقابات العمالية بمعزل عن المنظمات الشبابية كانت الوحدة النضالية إحدى أهم سمات الحركة المناهضة لعقد الشغل الأول، فقد شكلت النقابات العمالية والطلابية والتلمذية والجمعيات والأحزاب والمنظمات الشبابية صفــا واحدا للتصدي له. كما شاركت مختلف الشرائح العمرية في المظاهرات الاحتجاجية، حيث تظاهر الشباب والكهول والشيوخ جنبا إلى جنب. ظاهرة أخرى جديرة بالذكر تمثلت في تحول العديد من النقابيين للمساهمة في تنشيط اجتماعات طلابية وتنقل العديد من الشباب إلى المؤسسات والمصانع للمشاركة في الإجتماعات العمالية. إنّ حركة التضامن الرائعة التي طبعت التحركات الأخيرة لم تكن وليدة الصدفة، بل كانت نابعة من قناعة مشتركة تترسخ يوما بعد يوم بأن السياسة الإقتصادية النيولبرالية هي المسؤولة على تفاقم الأزمة والتدهور المستمرّ لأوضاع الفئات الشعبية والكادحين. لقد كانت وحدة الحركة محددة إلى أبعد الحدود في كسب المعركة والإطاحة بعقد الشغل الأول.

أمّا في الخندق المقابل، فإن سحب عقد الشغل الأول يعتبر هزيمة كبيرة للحكومة رغم تمريرها باقي الإجراءات الواردة في قانون تكافؤ الفرص وخاصة منها ما يتعلق بعقود تكوين الشباب (contrats d’apprentissage) حيث تمّ التخفيض في السن القانوني من 16 إلى 14 سنة، وهو ما يعني عمليا التخلي عن إجبارية التعليم حتى سن 16 سنة، ورغم الإبقاء على قانون عقد الشغل الجديد. منذ البداية عمدت الحكومة الفرنسية إلى تجاهل الإحتجاجات الآخذة في التنامي ضدّ مشروع القانون واختارت المرور بقوة، مثلما حدث بمجلس النواب حيث استعملت الفصل 49.3 وهو إجراء استثنائي يمكّن الحكومة من تمرير القوانين دون فسح المجال للنقاش عبر إعلان مسؤوليتها أمام البرلمان. وعلى مستوى آخر فقد اعتمدت الحكومة دعاية إعلامية تظليلية حول المزايا المزعومة للقانون الجديد وحاولت اختزال ردود فعل الشباب والفئات الشعبية في كونها ناتجة عن مجرّد سوء فهم ونقص في التفسير والحوار، كما لم تتردد في تشويه التحركات واتهام المضربين في الكليات والمتظاهرين بإثارة الشغب والفوضى وذلك في محاولة يائسة لعزلهم، وقابلت التحركات بقمع شرس وفي هذا المجال تكفي الإشارة إلى إيقاف أكثر من أربعة آلاف (4000) شخص وبلوغ عدد الذين أحيلوا أو سوف تتم إحالتهم أمام القضاء الـ 1270 شخصا. إن كلّ ذلك لم يفتّ من عزيمة الحركة ولم يزعزع وحدتها، بل العكس هو الذي حصل حيث كان عدد المتظاهرين في ارتفاع من مظاهرة إلى أخرى (مليون ونصف متظاهر يوم 18 مارس، قرابة 3 ملايين يوم 28 مارس وأكثر من 3 ملايين يوم 4 أفريل)، وبالمقابل بدأ الارتباك يشق الحكومة فأصبحت تلوّح بإمكانية تعديل القانون الجديد عبر وضع ضمانات إضافية لتأطير تطبيقه كما أضحت الصراعات داخلها بارزة للعيان (فيلبان / ساركوزي). وقد بلغت المهزلة أوجها عندما وقع الرئيس الفرنسي جاك شيراك القانون الجديد طالبا في نفس الوقت من الأعراف عدم تطبيقه ! وذلك قبل الإعلان عن التراجع النهائي في عقد الشغل الأول يوم 10 أفريل.

إنّ هذا الانتصار الذي يأتي بعد مضي بضعة أشهر فقط على الانفجار الذي عرفته الأحواز الفرنسية في الخريف الماضي وبعد أقل من سنة على انتصار هام آخر وهو رفض مشروع الدستور الأوروبي إثر استفتاء 29 ماي 2005، جاء ليؤكد حقيقتين أساسيتين: الأولى تتمثل في فشل السياسة الاقتصادية النيولبرالية واتساع رقعة رفضها، والثانية هي كون تلك السياسة ليست قدرا محتوما والتصدي إليها ممكن إذا ما وحّدت الفئات الشعبية صفوفها وأخذت مصيرها بين يديها.

ملاحظة

تبلغ نسبة الشباب العاطل عن العمل في فرنسا ممّن هم دون 25 سنة 22,8 %، أي أكثر من ضعف المعدل العام للبطالة بفرنسا.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني