الصفحة الأساسية > البديل الوطني > 9 أفريل 1938: الشهداء منارة لمناضلي الحرية
9 أفريل 1938: الشهداء منارة لمناضلي الحرية
22 نيسان (أبريل) 2006

تمر ذكرى 9 أفريل –عيد الشهداء- هذه السنة و"أحوال البلاد والعباد" تتقهقر نحو الأسوأ على جميع الأصعدة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حتى أن درجة الاحتقان الطبقي والاجتماعي أضحت تنذر بالخطر. ولعل التأطير البوليسي المنهجي الذي يمارسه نظام الحكم بكل ما يحمله من إشاعة للخوف والترهيب والاستقالة من الشأن العام هو وحده الذي يقف أمام نهضة المهمشين والمحرومين وعموم جماهير الشعب التي فاقمت الطغمة الحاكمة وحفنة اللصوص ومصاصي الدماء التي تسندها ظروفها المعيشية كما لم يحدث من قبل. وأردفت ذلك بتضييقات لا حدود لها طالت مختلف مجالات التعبير الاجتماعي والسياسي والنقابي والثقافي والحقوقي، إلخ. ولم تبق السلطة على مجال إلا وحاصرته بألف قيد وقيد حتى أن الخيار الوحيد الذي مازال مفتوحا لا يتجاوز حدود المسايرة وبالأحرى الخضوع الذليل للأمر الواقع والتكيف مع مقتضيات الدكتاتورية النوفمبرية في أبشع صورها وأساليب حكمها. وبهذه المناسبة –أي عيد الشهداء- يحق لكل تونسية وتونسي أن يسأل أولا عن مغزى الاحتفال بهذه الذكرى وثانيا حول المدلولات العميقة لهذه المحطة المضيئة في تاريخ شعبنا.

خرج الآلاف يومي 8 و9 أفريل 1938 متحدين الآلة القمعية الاستعمارية في مسيرات حاشدة منادين بالحرية وتحديدا بـ"برلمان تونسي" فسقط العشرات برصاص المستعمر وأعقبت ذلك حملة قمعية واسعة شملت قيادات الحركة الوطنية أنذاك.

إن المدلول الحقيقي لهذا اليوم يتنزل في توق جماهير شعبنا إلى الاستقلال وإلى إقرار الحرية وتحديدا –السيادة الشعبية- المرتكزة على مبدأ الانتخاب الحرّ واختيار ممثلي الشعب. فكيف يحق للنظام الدستوري الذي مارس حكمه طوال 50 سنة الماضية على قاعدة وحيدة وهي دوسه الحرية وحرمان الشعب من ممارسة حق الانتخاب الحر أن يحتفل بمثل هذه الذكرى؟ وكيف يحق للحزب الحاكم "التجمع" الاحتفال بذكرى غدر بها منذ استلامه السلطة ضمن صفقة استعمارية جديدة أبقت على تبعية تونس للمستعمر القديم ولغيره من القوى الامبريالية؟ لا حدود لوقاحة الطغمة الحاكمة التي تبتدع الأشكال للتضييق على الحرية وتحاصر المجتمع برمته ضمن نظام قهري لا يقبل إلا الموالاة الرخيصة، وبعد ذلك تسطو على نضالات الشعب وتوظفها ضمن خطاب دعائي فج يهدف إلى المغالطة والتشويه. وعليه فإن 8/9 أفريل بدماء شهدائه وتطلعات المتظاهرين إرث لأنصار الحرية في تونس اليوم يحتفظون به ويغذونه في الذاكرة الجمعية ويقتدون بدروسه حتى يتمكنوا من كسر شوكة الدكتاتورية وتعبيد الطريق أمام إقامة نظام ديمقراطي حقيقي يقطع مع الاستبداد والجمهورية المزيفة.

إن من يحكم تونس بنظام قهري لم تزده سنوات الحكم المتعاقبة سوى الانغلاق والتحجر الذي وصل حد السعي المحموم إلى تنظيم حملة منهجة تستهدف كل المجالات (رابطة حقوق الإنسان، جمعية القضاة، جمعية المحامين الشبان، نقابة الصحفيين...) بهدف تدجينها وتحويلها إلى ديكور ضمن القائم. إن هذا الحاكم لا يحق له بأي وجه كان الادعاء بالوفاء لشهداء تونس. وحتى إن فعل ذلك فهي كذبة تنضاف إلى سجل الأكاذيب التي لا حصر لها.

فـ"التجمع"/الحزب الدستوري الذي مارس الحكم عقودا طويلة لم يتقدم ولو قيد أنملة في إشاعة الحرية في المجتمع، بل على النقيض من ذلك، فالسنوات الأخيرة من حكم بن علي عرفت تقهقرا مفزعا يتناقل الناس محليا ودوليا فظاعاته. وإذا أردنا أن نعرف الأوفياء الحقيقيين فلن نجد سوى مناضلات ومناضلي الحرية الذين يدفعهم إصرارهم على مغالبة الدكتاتورية ومنازلتها رغم موازيــن القوى المختلة والنضال من أجل حقوق يؤسفنا أنها مازالت أقل بكثير من تلك التي رفعها أسلافنا سنة 1938. ويبقى النضال العنيد والدؤوب هو السبيل الوحيد للقطع مع أسس الاستبداد وفتح الطريق واسعا أمام كل ضحايا الدكتاتورية (طبقات وفئات شعبية) من أجل عودة الوطن إلى صاحبه الحقيقي أي الشعب التونسي الذي ملّ المهانة والإذلال.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني