الصفحة الأساسية > البديل الوطني > جوهر الثورة لا يكمن فقط في الحريات السياسية
أيّ تحالف يمكن أن يقبل به حزب العمال؟ (2/3):
جوهر الثورة لا يكمن فقط في الحريات السياسية
4 آب (أغسطس) 2011
صوت الشعب - العدد 10 الخميس 4 أوت 2011

سمير حمّودة

تناولنا في العدد الماضي مسألة التحالفات السياسية والنظرة النضالية لمسار الثورة قبل انتخابات المجلس التأسيسي ووقع التطرّق إلى السقف الأدنى الذي يمكن أن يقبل به حزب العمّال الشيوعي التونسي وذلك من خلال التأكيد على مسألتين: تصفية الدكتاتورية وتطوير حركة الاحتجاج الجماهيري .

ليس لحزب العمال أن يستثني في تحالفاته وفي أعماله المشتركة مع باقي الأحزاب والمنظمات، لا تلك التي تتبنى التقدمية والحداثة بما فيها بعض مكونات «القطب الديمقراطي الحداثي»، ولا تلك التي تتبنى الهوية العربية الإسلامية بما فيها حركة النهضة. ونحن نتوجه إلى قواعد الديمقراطيين واللبراليين والإسلاميين ونقول لها أن حدّا أدنى من الوحدة ضروري وملحّ لتصفية بقايا التجمع وبقايا العهد البائد والانتهاء من النظام الاستبدادي وإيقاف أعمال العنف والتخريب ومواجهة الاقتتال الجهوي وتمكين المواطنين من الأمن. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف لا يمكننا التعويل لا على قوات الأمن ووزارة الداخلية ولا على حكومة الباجي قائد السبسي. بهذا المعنى فقط نفهم وحدة الشعب التونسي ونجسد التفافه حول مطالب الثورة.

الثورة والحريات السياسية

إن قوى «الحداثة» التي اختارت التكتل ضد «الخطر الإسلامي المتطرف» وقوى «الهوية العربية الإسلامية» التي اختارت محاربة «اليسار المتطرف» ومحاربة «العلمانية المتطرفة» ارتكبت نفس الحماقة. ولا تكمن حماقة هؤلاء في صراع الرؤى الدائر بينها بل يكمن في قبولها جميعا أن تبقى حكومة الباجي قائد السبسي، حكومة بقايا التجمع، تتمتع بالسلطة كاملة بدون مراقب ولا حسيب. وفي خلال صراع هذه القوى، التي انتسبت كل مكوناتها للهيئة العليا وعبرت كل أحزابها عن دعمها للوزير الأول وثيقتها في توجهاته السياسية، ذهبت أهداف الثورة في مهب الريح واحتلت الصراعات الهامشية صدارة الأحداث واختلطت الأوراق السياسية بما يخدم القوى المعادية للثورة.

إن سعي البعض إلى تكوين جبهة ديمقراطية واسعة لا معنى له بدون السعي إلى إسقاط الديكتاتورية بالكامل. وهذا الهدف لا ينحصر ولن ينحصر

في الاستعداد لانتخابات المجلس التأسيسي. فهروب بن علي وحل التجمع والاعتراف بالأحزاب وغيرها من المكاسب لم تتحقق بفضل أيّ مسار انتخابي بل فقط بفضل احتجاجات الجماهير في الشارع وما قدمته هذه الجماهير من تضحيات وشهداء. لذلك نعتقد أن المسار الثوري لا يمكن أن يتواصل حتى تحقيق أهدافه، بما في ذلك الانتخابات الحرة والديمقراطية، إلا بتواصل الفعل الثوري للجماهير.

لكن أهداف الثورة لا تتمثل فقط في إسقاط الديكتاتورية أو في تغيير شكل السلطة من الاستبدادي إلى الديمقراطي. وبرنامج الثورة لا يمكننا حصره في الحريات السياسية. فهذا الاختزال، وإن قبلت به مكرهة البرجوازية المحلية وحلفائها الإمبرياليين، لا يمكن أن يستجيب لطموحات الشعب التونسي ولغالبيته من الفئات الشعبية التي عبّرت عن طوقها القوي للعدالة الاجتماعية ولتغيير أوضاعها الاقتصادية.

ليس في مقدور حزب العمال في نسج تحالفاته الاكتفاء ببرنامج الحريات السياسية رغم أهميته. فجوهر الثورة لا يكمن في هذه الحريات بل في ما يمكن أن توفره من تغييرات جذرية في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للفئات الشعبية ولغالبية الشعب. إن أهمية الحريات الخاصة والعامة وإشاعة نظام الديمقراطية في كل مستويات القرار السياسي تهدف من وجهة نظرنا إلى تسليح الشعب بالحقوق السياسية التي ستمكنه من تنظيم صفوفه داخل الأحزاب والنقابات والجمعيات ومن التعبير عن مصالحه ومطالبه المعاشية والحيوية.

إنه لجدير بالذكر أن الثورة لم تحقق إلى حدّ الساعة أي إصلاح اقتصادي أو اجتماعي من شأنه تغيير واقع البطالة أو واقع الفقر والحاجة أو واقع التفاوت بين الجهات والتفاوت في توزيع الثروة. وكيف للطبقات الشعبية أن تحقق مطالبها وهي بعيدة عن مواقع القرار السياسي. أما الجمعية التأسيسية القادمة فلا أحد في مقدوره الجزم بأنها ستعطي السلطة السياسية للطبقات الشعبية أو أنها لن تتركها بيد البرجوازية الكبيرة وحلفائها من الرأسماليين الأجانب.

إن انحياز حزب العمال للفئات الشعبية يتجسّد في تبنيه لبرنامج «الديمقراطية الاقتصادية والاجتماعية» الذي يدعو من خلاله الشعب التونسي إلى افتكاك حقه في إدارة المؤسسات الاقتصادية المصيرية وحقه في التصرف في ثروات البلاد وحقه الكامل في إدارة وتنظيم الاقتصاد الوطني. إن هذا البرنامج يضع حزب العمال في مواجهة مع البرجوازية الكمبرادورية، وفي الواقع في مواجهة مع كل برجوازية محلية كبيرة، وفي مواجهة مع كل من يمثل مصالح الرأسمالية العالمية. المؤكد أن الفئات الغنية التي كانت السند الاجتماعي لنظام الاستبداد لن تقبل بأيّ ديمقراطية من شأنها الحدّ من ثرواتها وأرباحها وهي تبحث حاليا عن البدائل الحزبية التي تضمن لها تواصل سلطتها على الحياة الاقتصادية وتترك الطبقات الشعبية على هامش القرار السياسي.

نحن نلحظ بسهولة كيف تسعى الأحزاب اللبرالية أكان غطاؤها الإيديولوجي تقدمي أو إسلامي إلى طمأنة طبقة الأعراف وكسب ودّها. والعديد من هذه الأحزاب دخلت في سباق من أجل كسب القاعدة الاجتماعية للنظام القديم المتمثل في البرجوازية الكبيرة. وهذا ما يفسر بالدرجة الأولى قبول هذه الأحزاب بتواصل حكومة الباجي قائد السبسي على أمل تقاسم السلطة في مرحلة قادمة. وليس للبرجوازية ما تخسره إذا ما دخلت هذه الأحزاب في صراعات هامشية في ما بينها بل أن العكس هو الصحيح. فهذه الصراعات توفر لطبقة الأعراف كل إمكانيات المناورة السياسية. والمهم أن لا تتطوّر هذه الصراعات إلى ما يمكن أن يمس بمصالحها الطبقية.

إن الموقع الطبقي لحزب العمال في نضاله من أجل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لغالبية الشعب يؤدي إلى دخوله في مواجهة حتمية مع مصالح البرجوازية الكبيرة كما يجعل من إمكانية تحالفه مع الأحزاب اللبرالية من قبيل المعادلات الصعبة. ولكن إقرار هذه الحقيقة لا يمكن أن يمنع حزب العمال من دفع بعض التحركات المشتركة أو الدعوة إلى تحالفات جزئية حول بعض المطالب التي يمكن الالتقاء حولها. فقواعد الأحزاب والتنظيمات متحركة ولا تخضع بالضرورة للجمود والدغمائية. ثم إن مصلحة غالبية الشعب تكمن دائما في توحيد صفوفه وبلورة مطالبه الأساسية.

التحالف وجبروت رأس المال

هنا نصل إلى الاستنتاج الثاني:

إن التحالف المتقدم الذي يمكن أن ينهض بمبادرة الجماهير السياسية والذي يسعى له حزب العمال، أكان هذا التحالف انتخابي أو نضالي، يجب أن يستجيب لمنظوره الطبقي في الدفاع عن الطموحات الاجتماعية والاقتصادية للطبقات الشعبية. حتى وإن فشل هذا التحالف في الفوز بمقاعد داخل المجلس التأسيسي.

إن الأحزاب اللبرالية، الديمقراطية والإسلامية لن يكون في مقدورها، حتى إذا ما تمكنت من الفوز بانتخابات المجلس التأسيسي وبالانتخابات التي ستتبعها، تغيير الواقع الاجتماعي والاقتصادي للشعب التونسي تغييرا جذريا. قد تنجح هذه الأحزاب في تحقيق بعض الإصلاحات الجزئية في هذا الميدان أو ذاك ولكنها ستخفق تماما في الاستجابة للمطالب الشعبية التي يتطلب تحقيقها بالضرورة القضاء على هيمنة البرجوازية والرأسمال الأجنبي على الاقتصاد وعلى السلطة السياسية. بل لن يكون في مقدور هذه الأحزاب حتى الحدّ من ثروة وأرباح البرجوازية الكبيرة. فليس في برنامج هذه الأحزاب ما يسمح بتجاوز الخطوط الحمراء للملكية وللإنتاج الرأسمالي وذلك مهما كان غطاؤها الإيديولوجي. ومهما كانت قوة الأحزاب اللبرالية المالية والانتخابية فلن يكون في مقدورها المسّ من مصالح طبقة الأعراف، فذلك ليس في منظورها ولا في رؤاها. ومهما كانت جماهيرية هذه الأحزاب فإنها ستبقى صاغرة وصغيرة في برامجها أمام جبروت رأس المال.

إن ثورة الشعب التونسي ضد الدكتاتورية ونهوض الجماهير المفقرة في الجهات الداخلية وفي الأحياء الشعبية لم يكن فقط بسبب غياب الحريات ولا فقط بسبب نظام الاستبداد بل أن أسبابها العميقة كانت الآفات الاجتماعية، من فقر وبطالة وغلاء المعيشة وانهيار الخدمات العمومية. وهذه الآفات كانت النتيجة الحتمية للسياسات الاقتصادية اللبرالية لبن علي ونظامه. لنتذكر أول شعار رفعه شباب سيدي بوزيد : «التشغيل استحقاق يا عصابة السراق»! بينما كانت المعارضة اللبرالية، الديمقراطية والتقدمية تدعي أن تونس تشهد نجاحا اقتصاديا وأن هذا النجاح في تعارض مع نظام الانغلاق السياسي. وأن المطلوب هو تحقيق الديمقراطية حتى تكون البلاد في انسجام مع ازدهارها الاقتصادي! (يتبع)



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني