الصفحة الأساسية > البديل الوطني > قانون "الإرهاب" الجديد يعزز ترسانة القوانين الفاشية
قانون "الإرهاب" الجديد يعزز ترسانة القوانين الفاشية
10 كانون الثاني (يناير) 2004

اختارت السلطة يوم 10 ديسمبر 2003 الذي يوافق الذكرى 55 لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لإصدار قانون جديد بعنوان "دعم المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال" (القانون عدد 75 لسنة 2003 المؤرخ في 10 ديسمبر 2003). والمتمعن في هذا القانون الذي يحتوي على عدد من الفصول، الأمر الذي يجعل منه مجلة جنائية موازية، يدرك بيسر أن الدكتاتورية النوفمبرية لا تزال تستغل الأوضاع الدولية الناجمة عن أحداث 11 ديسمبر 2001 لمزيد انتهاك الحريات وحقوق الإنسان بغطاء "مكافحة الإرهاب".

هذه الحقيقة تتجلى أولا: من خلال التعريف للجريمة "الإرهابية". فهو لا يفصل بين الجرائم "الإرهابية" بالمعنى المتعارف عليه دوليا أي "استعمال العنف ضد مدنيين أبرياء أو حتى ضد عسكريين في حالات معينة" وبين "جرائم" الرأي. كما أنه لا يحدد وسائل معينة لارتكاب "الجريمة الإرهابية" كالسلاح والمتفجرات وغيرها من المعدات المعروفة المستعملة في الاعتداء على الأشخاص والممتلكات بل إنه يعتبر أن أركان الجرائم التي ذكرها تتوفر مهما كانت الوسائل المستعملة بما في ذلك إبداء رأي أو استعمال شارة أو صورة أو شعار يرمز لشخص أو تنظيم تصنفه السلطات "إرهابيا" أو الدعوة إلى اجتماع أو مظاهرة أو كتابة مقال. وإلى ذلك فإن القانون يصنف الجريمة الإرهابية إلى "جريمة إرهابية بطبيعتها" و"جريمة تعامل كجريمة إرهابية". وهو يضع في الأولى مثلا كل جريمة مهما كانت دوافعها لها علاقة بمشروع فردي أو جماعي من شأنه "ترويع شخص أو مجموعة من الأشخاص، أو بث الرعب بين السكان، وذلك بقصد التأثير على سياسة الدولة وحملها على القيام بعمل أو الامتناع من القيام به"(!!) أو "الإخلال بالنظام العام" أو "الإخلال بالسلم الدولي" أو "بالأمن الدولي" أو "الإضرار بالموارد الحيوية أو بالبنية الأساسية أو بوسائل النقل أو الاتصالات أو بالمنظومات المعلوماتية أو بالمرافق العمومية". (الفصلان4و5). كما أنه يضع في الثانية أي "الجريمة التي تعامل كجريمة إرهابية (الفصلان 5و6) "جرائم التحريض على الكراهية أو التعصب العنصري أو الديني مهما كاننت الوسائل المستعملة لذلك". وبالنظر إلى المفهوم الفضفاض "للإرهاب" فإن السلطة يمكنها أن تحوّل كل نقد أو تعبير بوسائل سلمية إلى "جرائم إرهابية".

ثانيا: من خلال قسوة العقوبات المخصصة للجريمة "الإرهابية" (الفصل11 وما تلاه). إن ما يميز هذه العقوبات هو القسوة. فالعقاب المخصص مثلا لكل من يدعو إلى الجريمة "الإرهابية" "بأية وسيلة كاننت" بما في "استعمال اسم أو كلمة أو رمز أو غير ذلك من الإشارات قصد التعريف بتنظيم إرهابي أو بأعضائه أو بنشاطه فهو يعاقب بالسجن من 5 إلى 12 سنة". وبالطبع فإن السلطة هي التي تحدد من هو التنظيم الإرهابي، وما هو الرمز أو الإسم أو الكلمة أو الشارة الإرهابية. ويعاقب القانون بالسجن من 5 إلى 12 سنة كل من "يتلقى تدريبات عسكرية خارج تراب الجمهورية بقصد ارتكاب إحدى الجرائم الإرهابية خارج البلاد التونسية" (هل يدمج في ذلك فلسطين والعراق على سبيل المثال؟). ويعاقب بالسجن من عام إلى 5 سنوات "كل من يمتنع ولو كان خاضعا للسر المهني" (المحامون مثلا؟؟) "من إشعار السلط ذات النظر فورا بما أمكن له من الاطلاع عليه من أفعال وما بلغ إليه من معلومات أو إرشادات حول ارتكاب إحدى الجرائم الإرهابية" (ما عدا الوالدان والأبناء والإخوة والأخوات والقرين).

ثالثا: من خلال طول المدة المحددة لسقوط العقاب وسقوط الدعوى العمومية. فالعقاب لا يسقط إلا بعد 20 سنة إذا تعلق بجنحة (5 سنوات في القانون العام و30 سنة إذا تعلق بجناية-20 سنة في القانون العام).

رابعا: من خلال الإجراءات السرية المعتمدة في المحاكمات: إن المحاكمة في الجرائم "الإرهابية" تتخذ طابعا استثنائيا. فسماعع الشهود مثلا يتم فرادى دون حضور المشتبه فيه ودون الاستعانة بأي كتب أي دون تحرير محضر سماع شاهد الأمر الذي يفسح المجال أمام افتعال التهم. كما أن أعمال البحث أو انعقاد الجلسة يمكن إجراؤها في غير مكانها المعتاد وتلقي جميع التصريحات أو جزء منها باستعمال وسائل الاتصال المرئية أو المسموعة دون حضور المتهم أي أن المتهم لا يرى المحققين معه أو هيئة المحكمة. وينص القانون على تضمين هويات الأشخاص المتداخلين وعناوينهم في الملف بدفتر سري مرقم وممضى لا يفتح إلا لدى وكيل الجمهورية كما أن المعطيات التي قد تكشف هويتهم تضمن بمحاضر مستقلة تحفظ بملف منفصل عن الملف الأصلي للقضية وإذا طلب المشتبه فيه أومحاميه الكشف عن هوية مساعد القضاء والمتضررين والشهود والمبلغين ورُفض طلبه فإن هذا القرار غير قابل للطعن مع العلم أن عقابا من 5 إلى 20 سنة سجنا وخطية من 5 آلاف إلى 50 ألف دينار على كل من "أفصح عمدا عن أي معطيات من شأنها الكشف عنهم لغاية إلحاق الأذى بهم أو الإضرار بمكاسبهم".

خامسا: من خلال التضييق على تمويل الجمعيات والأحزاب لضرب استقلاليتها: فالسلطة استغلت مسألة "مكافحة الإرهاب" لتمرر قانونا يهدف إلى منع تمويل الجمعيات والمنظمات المستقلة والأحزاب المعارضة من قبل أعضاء تلك الجمعيات والأحزاب ومن قبل عموم المواطنين، وجهات أجنبية غير حكومية أو منظمات حكومية أو حكومات. فقد أوجب القانون الجديد على تلك الذوات المعنوية الامتناع عن قبول أي اشتراكات تتجاوز قيمتها "السقف المحدد قانونا" (30 دينار سنويا بالنسبة إلى الجمعيات) وعن قبول أي تبرعات أو مساعدات مالية أخرى مهما كان حجمها "فيما عدا ما قرره القانون بنص خاص" وعن قبول أي أموال متأتية من الخارج إلا بواسطة وسيط مقبول (وزارة الداخلية؟؟) وعن قبول أي مبالغ مالية نقدا تساوي أو تفوق ما يعادل 5 آلاف دينار ولو تم ذلك بمقتضى دفوعات متعددة يشتبه في قيام علاقة بينها. متعاقب مخالفة هذه الإجراءات بالسجن من 6 أشهر إلى 3 سنوات وبخطية من 5 إلى 10 آلاف دينار.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني