الصفحة الأساسية > البديل الوطني > يحدث في المجلس البلدي بقليبية
يحدث في المجلس البلدي بقليبية
15 أيلول (سبتمبر) 2009

ما حدث للمجلس البلدي بقليبية (وبالتحديد في الثامن من شهر أوت 2009 (حيث أُقيل رئيس البلدية) كان مثيرا للدهشة والاستغراب، وجمهور السكان في مدينة قليبية يتساءل عن سبب هذه الإقالة، خاصة وهم الذين جاءوا به ونصبوه، دون أن تكون له معرفة بـ"الجوقة التجمعية" وتكتيكاتها وحيلها وألاعيبها، وهو طبيب في مستشفى المدينة، يعيش"حدّو حَدّ روحو"، كما نقول عن الشخص المسالم، غير المندمج في علاقات عامة وما إليها. ماذا فعل المسكين ليلقى هذه المعاملة المسيئة والتصرف العدواني، (وممّن؟)، من الذين نصبوه وعينوه، وهو المعروف عنه أنه ما كان متسيسا كما أنه لم يكن له في"سوق التجمع" أو أيّ سوق سياسي آخر، ما يذوق ، ولم يكن يسعى لمنصب، أي أنه كان"نفْسْ مومْنه" بالمعنى البورقيبي، وهو، كما ذكرنا، طبيب ولا يمارس غير الطب، ومساره اليومي لا يكون إلاّ من داره إلى المستشفى ومن المستشفى إلى داره؟.

وهنا أعود إلى صفة "المسكين" الذي ألصقتها به لأوضح أن السيد كان صفحة بيضاء في المكر"السياسي" والدهاء، الانتهازي، والمضاربات الحزبية الرخيصة ، فجاء إليه "أصحاب الحنكة الحزبية" والجوقة التجمعية، (بما فيها من تزكير وتطبيل وتزمير) ودَوّروا بهذه الصفحة البيضاء "بول الذيبْ"، بالمفهوم الشعبي، البريء، البليغ، فمانع ومانع ومانع، لكنه، في الأخير، وتحت ترغيبهم المفرط وتزينهم، الذي لا حدود له، وضماناتهم السلطوية، محليا وجهويا ومركزيا، لن يجد المسكين إلاّ أن يقبل، عن مضض واستحياء وخجل (وهو الذي إن كلمته احمرّ وجهُه) وقد ملأوا رأسه بالقول:" أنت وطني غيور حزت ثقة التجمع، وستحوز ثقة أهالي قليبية في عرس الانتخابات البلدية، ثم رشّحوه في قائمة التجمع في قليبية" (وجعلوه رئيسا للقائمة) مراعاة منهم للمكانة العائلية، التي يليق بها الشرف التجمعي.

ثم نـُُصّب المجلس البلدي وبدأ أعماله، ووجد هذا الرجل (الصفحة البيضاء) عراقيل كثيرة في طريقه، ما اعتاد عليها، ولا ذُكر له شيء منها. وكان عليه أن يكون "مرنا"، بمفهومهم الخاص، أي أن يعرف متى يطبق القانون، ومتى يغمض عينيه ويغلق فمه، فتعذب الرجل شديد العذاب لهذا الواقع المأساوي المفروض عليه، والمرفوض من قلبه وأصالته، وأخلاقه العائلية المحترمة، وحاول أن يناور ويدور مع الرياح، وأن يبحث عن التوافق والتوفيق لكنه لم يوفٌق لأنه ما عرف النفاق وما جربه، وهذا وحده مبرر كافٍ لطرده من البلدية مع الإبقاء على بقية الأعضاء في أماكنهم وهم يعرفون مسبّقا أنهم لا يُطلب منهم إلا أن يكونوا في القطيع ممتثلين ولأوامر أسيادهم طائعين.

هل اقترف صاحبنا جريمة في حق البلد؟ هل خان الأمانة؟ هل سرق؟ هل أخذ لنفسه ما ليس له فيه حق؟ هل هدّم بنايات الفقراء، وأغمض عينيه عن تجاوزات الكبار المترفين؟ وسكان قليبية كلهم يجيبون بالنفي لأنهم يعرفونه ويعرفون أخلاقه العالية، ولذلك هو مسكين، وأكثر من ذلك هو درس عميق في المسكنة، وعلى الآخرين وعيه واستيعاب الحكمة منه، فلا يقبلوا التنصيب ولا يرضوا بالتعيين.

وقد صدق في مسكيننا هذا المثل الشعبي القائل:" جابُوهْ بالعِزْ وخرْجُوهْ بالدّزّ"، وحديثنا، اليوم، عنه بهذه الطريقة ليس دفاعا عنه بل هو دفاع مبدئي عن الحقيقة، دون أن نهتم بالأشخاص وعائلاتهم ، خاصة ونحن نرى أن كل المواطنين "أبناء عائلة" انطلاقا من أن "الهامِلْ"، مهما كان منبته العائلي ومكانته الاجتماعية، واسمه ووجاهته المالية أو السياسية، هو الذي لا يراعي الناس ولا يحترم حقوقهم بأي وجه من الوجوه. ورغم كل ما ذكرنا فإننا نطرح بعض الأسئلة، نراها بريئة و"بنت عائلة"، وغير "هاملة" ولا "ساقطة":

هل المجلس البلدي معيَّن أم منتخب؟

وإذا كان معينا فهو سيخدم مصالح من عيّـنه، وبالتالي لا علاقة لنا به ولا شأن لنا مع من يعينون ومتى يطردون. إما إذا كان منتخبا حقا، فهو سيخدم مصالح من انتخبوه، وعندئذ لا يحق إقالته أو التدخل في سير عمله وقراراته البلدية إلا في حالات معروفة، ضبطها القانون، مع ضرورة إعلام الناخبين بأسباب الإقالة. وعلى كل حال فإن سكان مدينة قليبية، وكل المدن التونسية قد تم التغرير بهم والضحك على ذقونهم مرتين على الأقل ، إن لم أقل ثلاث مرات: في مرة أولى عندما أوهموهم بأنهم هم الذين يختارون وأن اختيارهم حقيقي وحر، وأنهم أسياد وبالانتخاب يمارسون سيادتهم. وما عرفوا أنهم لم يكن لهم من دور إلا بالتصفيق ووضع أوراقهم الانتخابية المختارة والمفروزة في "صناديق الاقتراع". وفي مرة ثانية عندما قالوا للمجلس البلدي أنت تمثل إرادة المتساكنين، وينبغي أن تخدم مصالحهم الحياتية، وحالك أفضل من حال "الحكومة المركزية" في نظام رئاسي، يعيّنها الرئيس حسب الكيفية التي يراها سيادته، فيطيح بها متى شاء كليا أو جزئيا، بينما أنت مجلس اختاره الناس عبر "انتخابات شفافة، حرة، ديمقراطية، نزيهة".

وفي مرة ثالثة عندما يظهرون حقيقة المجلس وأنه منصّب ومعين ولا دخل لإرادة المتساكنين في وجوده، أو في حله أو في طرد عضو من أعضائه.

وبما أن البلدية بلديتكم تتصرفون فيها تعيينا وطردا وحلا، فافعلوا ما يحلوا لكم لكن دون أن تقلقوا القانون في نومه ولا الديمقراطية في غيبوبتها ولا الحرية في أحلامها

ماتت ديمقراطيتكم، وعاشت ديمقراطيتنا التي ننتظر.

عبد القادر الدردوري- مواطن تونسي حالم



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني