الصفحة الأساسية > البديل النقابي > حول المفاوضات الاجتماعية في القطاعين العام والخاص
حول المفاوضات الاجتماعية في القطاعين العام والخاص
30 آذار (مارس) 2009

ما تزال المفاوضات بين الاتحاد العام التونسي للشغل والأطراف الاجتماعية في القطاعين العمومي والخاص متعثرة. هذا ما توحي به الآن على الأقل الوضعية التي بلغتها هذه الجولة. فالإدارات في المؤسسات والمنشآت العمومية ترفض بشدّة النسب التي تطالب بها الهياكل النقابية فيما تحاول هذه الأخيرة حشد إمكانياتها "التفاوضية" وبعض قواعدها للاحتجاج دفاعا على مطالبها. ويمكن تلخيص مجمل مطالب القطاعات في تمكينها من النسبة التي تحصّل عليها أعوان الوظيفة العمومية أي 1.5 من الزيادات الماضية، أي بالضبط زيادة الثلاثية المنقضية ونصفها. وفي المقابل أصدرت السلط العمومية ذات الإشراف في مختلف القطاعات (الصناعة والتجارة والخدمات) أوامرها بالتمسك بزيادة تضاهي في أحسن الحالات زيادة الثلاثية الفائتة.

وأمام هذا التعطـّل مرّت الآن حوالي 10 أشهر على آجال صرف زيادة الثلاثية الحالية علما وأن الاتفاق المشترك بين الحكومة والاتحاد نصّ على أن يقع الانتهاء من التفاوض نهاية شهر أفريل 2008. في الأثناء ظلّ الشغالون في هذه القطاعات يمنون النفس بزيادة محترمة ترقـّع ما لحق مقدرتهم الشرائية، ويعيشون كل يوم على وقع ما يتساقط من أخبار حول تطوّر الحوار بين نقاباتهم وإدارات مؤسساتهم. أما الحكومة فإنها تستغل الظرف لتعلن وفي شيء من الكتمان كل مرة زيادة جديدة في أسعار المعيشة آخرها الزيادة في أسعار السجائر.

واليوم وبعد مرور كل هذه المدة على تعطّل المفاوضات كيف تتراءى استراتيجيات كل طرف من أطراف المفاوضات الحالية؟ سؤال لا يبدو أن هذه الأطراف مستعدة للإجابة عليه بوضوح ويبقى الشغالون الذين يتحملون عبء الوضع الاجتماعي السيء خاصة في ظروف بداية ظهور آثار الأزمة الاقتصادية على مجمل ظروف حياتهم يترقبون ما ستؤول إليه المفاوضات لا حول ولا قوة لهم، خاصة في ظل تغييب المركزية النقابية لهم وإدارة مفاوضاتها بصورة فوقية.

فالمركزية اختارت نهج التفاوض بصورة منعزلة عن القواعد واجتنبت تشريكها في الإعداد لهذه المفاوضات عدا بعض الندوات الدراسية المخصصة للكوادر النقابية والتي انقلبت إلى آليات عمل سياحية يطغى عليها طابع الثرثرة والمزايدة التي لا تلقى طريقها إلى التأثير الميداني. وهي من جهة أخرى منشغلة بالأحداث والصراعات الداخلية التي خلقت سلسلة من الأزمات الداخلية منها ملف جهة تونس وقطاع التعليم العالي والشباب العامل وقطاع البنوك ومسألة تحوير المسؤوليات لتسديد الشغور الحاصل في قسم العلاقات الخارجية وعدد من الصراعات الأخرى الخفية بعلاقة بتجديد بعض الهياكل الوسطى (جهات وقطاعات). فالاتحاد هو اليوم أشبه بجهاز يتآكل من الداخل في جو من التناحر حول المواقع ومراكز النفوذ أكثر منه منظمة جماهيرية مهتمة بمشاغل منخرطيها. ومن الطبيعي أن يلقى الاتحاد في مثل هذه الأجواء أفضل طريقة لإدارة شؤون التفاوض الجماعي في المفاوضات الفوقية المعزولة. وقد لاحظنا أن المفاوضات في قطاع هام كقطاع البنوك قد انتهت بأزمة داخل مكتب الجامعة المنقسم على نفسه لأن هذه التشكيلة خيّرت حسم أمر الخلاف الذي نشب داخلها في تقييم نتائج الفماوضات بعيدا عن القواعد وحصرت الحسم فيه داخل المكتب دون العودة حتى للهيئة الإدارية. أما التعليم العالي فقد خيّر المكتب التنفيذي الوطني وكالعادة تجاوز هياكل وقواعد القطاع ليعقد صفقة خلقت هي الأخرى أزمة حادة في قطاع الأساتذة الجامعيين حتى ظهرت فكرة الانسلاخ عن الاتحاد وبعث هيكل مستقل في ظل انسداد أفق إصلاح الوضع من الداخل لدى البعض.

القطاع الوحيد الذي توصّل إلى نتائج لم تفض إلى أزمة هو قطاع النقل الذي أمضت جامعته اتفاقا لم يلق معارضة حادة بحكم تحكم الاتحاد فيه وهو القطاع المعروف بولائه لشخص الأمين العام عبد السلام جراد. وفي ما عدا ذلك عادت نغمة حشد القواعد للضغط من أجل حلحلة المفاوضات. وفي هذا الإطار بدأ قطاع البريد حملة تحسيسية قاعدية لعقد هيئة إدارية قطاعية من المنتظر أن تقرر إضرابا قطاعيا نهاية هذا الشهر.

وفي ظل هذا التشتت وغياب استراتيجية تفاوضية قاعدية نشيطة ومناضلة تجمع بين الضغط من فوق ومن تحت من الطبيعي أن تجد الحكومة والمؤسسات نفسها في وضع مريح وأن تمارس كل أشكال الهرسلة على الهياكل لتجبرها على نتائج هزيلة مثلما حصل في قطاع النقل (1.17 من الزيادات الماضية). ومن غير المستبعد أن يقع جرّ كل القطاعات إلى نتائج مماثلة. كما من المنتظر أن تكون النتائج أسوأ في القطاع الخاص حيث يلوّح الأعراف بحملات الغلق والتسريح.

وليس من التشاؤم ولا من باب الانتقاد المجاني توقـّع مثل هذه النتائج ما لم يقع التخلي عن هذا النهج المتبع حتى الآن من قبل القيادة النقابية ومن قبل القطاعات الراضخة له والتي وقع جرّها إلى الانغماس في مستنقع التناحرات الداخلية. وأمام هذا كله وفي صورة فشل هذه الجولة من المفاوضات ستكون الأزمة أشدّ بما يهدّد الاتحاد جديا بأزمة أشمل وأعمق قد تؤدّي إلى انفجار وانقسام لا يبدو أن السلطة ترفضه.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني