الصفحة الأساسية > البديل الوطني > دار لقمـــــــــان...
التحوير الوزاري:
دار لقمـــــــــان...
25 كانون الثاني (يناير) 2010

أجرى بن علي يوم الخميس 14 جانفي الجاري تحويرا على حكومته. ويأتي هذا التحوير بعد "إعادة انتخابه" بحوالي ثلاثة أشهر. وقد أثار هذا التأخير عديد التساؤلات في الأوساط السياسية والإعلامية إذ جرت العادة أن يجري التحوير مباشرة بعد "الانتخابات". وقد فسّر البعض ذلك بحسابات داخل "العائلة الحاكمة" لها صلة بمخططاتها في علاقة بمستقبل الحكم باعتبار أن الولاية الحالية لبن علي هي الأخيرة دستوريا بحكم شرط السنّ القصوى (75 سنة) التي سيتجاوزها عام 2014، موعد الانتخابات القادمة، وهو ما يتطلب الإعداد لانقلاب جديد على الدستور لإلغاء هذا الشرط و"التمديد" لبن علي أو لإيجاد صيغة من صيغ "التوريث" حتى لا يفلت الحكم من بين أيدي "العائلة الحاكمة" حاليا.

ومهما يكن من أمر فإن التحوير الوزاري الذي تم لا يحمل جديدا عدا النية في الاستمرار في نفس النهج القمعي الذي اشتد بالخصوص بعد المهزلة الانتخابية ليوم 25 أكتوبر الماضي. فالطغمة الحاكمة التي تواجه وضعا اقتصاديا واجتماعيا صعبا بسبب انعكاسات الأزمة الاقتصادية العالمية المتواصلة، كما تواجه، على الصعيد السّياسي مسألة "التمديد" أو "التوريث"، في حاجة إلى التحكم في الأوضاع بقبضة من حديد حتى لا تفلت الأمور من بين يديها وتسقط مخططاتها في الماء بعد المصاعب التي خلقتها لها المعارضة في المهزلة الانتخابية الأخيرة والنقمة المتنامية في صفوف الشعب جراء البطالة وغلاء الأسعار. لقد حافظ بن علي على نفس الفريق الحكومي تقريبا، مع بعض التحويرات في الحقائب الوزارية. فالوجوه هي هي إذا استثنينا إبعاد عبد الوهاب عبد الله من وزارة الخارجية ومن الحكومة بشكل عام وتعويضه بكمال مرجان الذي كان يشغل وزارة الدفاع. وجاء هذا التعويض كما هو واضح على خلفية التوترات الحاصلة بمناسبة "الانتخابات" الأخيرة مع الخارجية الفرنسية والبلجيكية بالخصوص، وحاجة بن علي، بمناسبة المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي حول وضع "الشريك الممتاز" لوجه أكثر قبولا من عبد الوهاب عبد الله "الفجّ"، والذي لا يعني خروجه من الحكومة، أنّ بن علي لم يعد في حاجة إليه، وإلى خدماته باعتباره أحد أهم رموز الاستبداد في المجال الإعلامي خاصة، فليس من المستبعد أن يعيّنه في منصب من المناصب المقرّبة إليه في انتظار "أيّام أخرى" قد يعيده فيها إلى صف الحكومة بالنظر إلى متانة علاقته بأفراد "العائلة الحاكمة" وثقتهم به.

في ما عدا ذلك حافظ بن علي على محمد الغنوشي، وزيرا أول رغم ما تردد من إشاعات حول إمكانية تغييره. ومن المعلوم أن صلاحياته على رأس الحكومة لا تتجاوز، بحكم الدستور، التنسيق بين أعضائها، لأن الحكومة ليست حكومته هو، بل حكومة بن علي. كما أن اهتماماته لا تتجاوز في العادة الملفات الاقتصادية لأنه مقصي من الملفات ذات الطابع السياسي والأمني والديبلوماسي التي تبقى من مشمولات بن علي والعناصر الأخرى المقربة منه سواء كانت في "الظل" أو في المستشارية الرئاسية أو في الحكومة. ومن البديهي أن عدم اهتمام محمد الغنوشي بهذه الملفات ورغبته ربما في التقاعد وعدم وجود مطامح شخصية ظاهرة تحرّكه، هي من "الصفات" التي تحبذها "العائلة الحاكمة" في مثل هذا الظرف الذي تفكر فيه، في فترة ما بعد بن علي.

كما حافظ بن علي على وزير الداخلية، رفيق الحاج قاسم، الذي ما انفك يطبق الأوامر في مجال القمع. وقد تولـّى بنفسه، كما هو معلوم، الإشراف على المهزلة الانتخابية لشهر أكتوبر الماضي، وما حفّ بها من بدايتها إلى نهايتها من تزوير منهجي. وما تزال "العائلة الحاكمة" في حاجة إلى "تفاني" مثل هذا الشخص الذي يستمد كل نفوذه من ثقة بن علي به، إذ أنه من دون بن علي، لا يساوي شيئا، لا في الحكومة ولا في الحزب الحاكم. وعلى صعيد آخر اكتفى وزير العدل ووزير التعليم العالي بتبادل منصبيهما. وهذان الوزيران هما أيضا من رموز القمع والاستبداد في حكومة بن علي وسينقل كل منهما خبرته القمعية إلى مجال عمله الجديد.

إن بشير التكاري، وزير العدل ينتقل إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أسابيع قليلة بعد محاكمة نشطاء الاتحاد العام لطلبة تونس الذين سلطت عليهم أحكام جائرة وقاسية دون أن تتوفر لهم إمكانية الدفاع عن أنفسهم. وسيجد التكاري أمامه وضعا متأزما بسبب هذه المحاكمات وبسبب تراكم المشاكل على كافة المستويات، مع الطلبة والأساتذة على حد سواء. وليس من المنتظر أن يقدم الحلول لهذه المشاكل بقد ر ما ينتظر منه أن يستمر في سياسة سلفه القمعية، على طريقته التي مارسها مع القضاة والمحامين. أمّا لزهر بوعوني، فهو ينتقل إلى وزارة العدل، بعد سنوات قضّاها على رأس وزارة التعليم حيث برز بأساليبه الفاشستية في التعامل مع الطلبة والأساتذة وحيث ترك القطاع في أسوأ حال على كل الأصعدة منذ ظهور الجامعة التونسية. وهو يجد نفسه، في الوزارة الجديدة أمام جهاز قضائي متعفن بسبب الفسـاد وبسبب الإخضاع الدائم الذي يتعرّض له من السلطة التنفيذية ممّا حوّله إلى مجرد أداة لتنفيذ الأوامر، وأمام قطاع محامين ما انفك يُهَمّش في غياب استقلالية القضاء. ولا ينتظر من لزهر بوعوني أن يأتي بحلول للمشاكل التي يتخبط فيها القضاة والمحامون، فليست تلك مهمته بل إن قدومه إلى وزارة العدل، يبشر، على ما هو ظاهر، بمزيد من تعفن الأوضاع. ولا يرى العديد من المراقبين من تبادل التكاري وبوعوني لمنصبيهما، سوى "تبديل للوجوه" لا أكثر ولا أقل للاستمرار في تطبيق نفس السياسة القمعية والتحكمية في المجالين.

ومن ناحية أخرى عيّن بن علي رسميّا أسامة الرمضاني على رأس وزارة الاتصال. ومن لا يعرف من بين الصحافيين والإعلاميين هذا الشخص أو بالأحرى "غوبلز" (مسؤول الدعاية النازية في حكومة هتلر) وكالة الاتصال الخارجي التي تعنى بالدعاية لنظام بن علي في الخارج وبشراء الذمم، بالمال العام، من بين أشباه الإعلاميين والكتّاب الأجانب؟! كما تعنى بتوزيع الإشهار على الصحف في تونس والذي تنال نصيب الأسد منه صحف العار والتعليمات. وبهذه الصورة تكون نوايا بن علي واضحة وهي الإمعان في تشديد الخناق على الإعلام والإعلاميين في تونس وحرمان الشعب التونسي من حقه في إعلام حر وموضوعي. ومن المعلوم أن أسامة الرمضاني يخلف في هذا المنصب، وجها فاشستيا بائسا آخر، وهو رافع دخيل الذي كان أزيح في فترة "الانتخابات" الماضية بسبب أخطاء قام بها، أغضبت وليّ نعمته، وقد عوّضه بالنيابة، إلى حدّ التحوير الوزاري الأخير، أسامة الرمضاني ذاته الذي يحصل الآن على المنصب بصفة رسميّة.

وفي ما عدا هذه التحويرات، فإن التعيينات الأخرى لا معنى لها، فـ"ِرضا قريرة" عُيّن على رأس وزارة الدفاع خلفا لكمال مرجان الذي حاز على منصب وزير الخارجية، ومن المعلوم أن وزير الدفاع في تونس لا يعدو كونه منصبا إداريا تحت مراقبة بن علي المباشرة. كما عُيّن زهير المظفر، وهو أحد خدم بن علي الطيعين، على رأس أملاك الدولة والشؤون العقارية وهو ما يترك المجال مفتوحا كما كان في الماضي، لأفراد "العائلة الحاكمة" للتلاعب بتلك الأملاك ووضع يدهم على ما يريدونه منها. وبقي حاتم بن سالم على رأس وزارة التربية بعد أن حذف منها التكوين المهني الذي ألحق بالتشغيل ليشكلا وزارة أسندت إلى محمد العقربي. وعُيّن محمد رضا شلغوم على رأس وزارة المالية. وفي كلمة فإن دار لقمان بقيت على حالها. فلا تغيير في السياسة الاقتصادية والاجتماعية التي كانت أعلنت في مناقشات الميزانية للعام الحالي. ولا تغيير في النهج الاستبدادي لنظام الحكم، الذي يجد نفسه عاجزا تمام العجز عن مواجهة المشاكل التي يتخبط فيها الشعب التونسي بغير الأساليب البوليسية البائسة. ومن شأن كل هذا أن يضع المعارضة التونسية أمام مسؤوليتها ويجعلهـــــــــا تدرك أن السلطة لا تفكر في "الإصلاح" بل في مزيد تشديد القبضة الأمنية حفاظا على مصالح أقليات رجعية، فاسدة، لا مصلحة لها إلا في الاستبداد.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني