الصفحة الأساسية > البديل الوطني > بمناسبة الذكرى الأولى لإضراب 18 أكتوبر 2005
هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات:
بمناسبة الذكرى الأولى لإضراب 18 أكتوبر 2005
19 تشرين الأول (أكتوبر) 2006

بيــان

مرّ عام على انطلاق إضراب الجوع الذي شنّه يوم 18 أكتوبر 2005 ثمانية مناضلين من رموز الأحزاب والجمعيّات المستقلّة احتجاجا على التدهور الخطير للحقوق و الحريّات ببلادنا ومطالبة باحترام حرّيّة التعبير والصّحافة و حرّيّة التنظّم الحزبي والجمعيّاتي وإطلاق سراح المساجين السّياسيّين وسنّ قانون العفو التشريعي العامّ.

و قد مثّل هذا التحرّك محطّة متميّزة في سياق النّضالات التي خاضتها القوى الدّيمقراطيّة خلال السّنوات الأخيرة ضذّ القهر والاستبداد، بما كرّسه من روح ميدانيّة مكّنت المعارضة السّياسيّة والمدنيّة من استعادة المبادرة و من روح وحدويّة شملت جلّ مكوّنات المعارضة التي التفّت حول مطالب المضربين.

وكان من نتائج هذا التحرّك وما تمخّض عنه من تعبئة، تكوين "هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحرّيّات" التي انخرطت فيها معظم التيّارات الفكريّة والسّياسيّة المعارضة بالبلاد و أخذت على عاتقها مواصلة النضال من أجل تحقيق المطالب التي رفعها المضربون وفتح حوار وطني، صلب "منتدى 18 أكتوبر" الذي بعث للغرض، حول أهمّ القضايا الخلافيّة التي تشقّ صفوف الحركة السّياسيّة و المدنيّة من أجل بلورة عهد يتضمّن مبادئ و أسس النظام الجمهوري التي يتقيّد بها جميع الفرقاء و تشكل مدوّنة سلوك للمواطنة.
و لقد واجه نظام الحكم "هيئة 18 أكتوبر" منذ قيامها بأسلوبه الأمني المعهود، فمنع اجتماعاتها وأنشطتها وشنّ عليها حملات إعلاميّة تشويهيّة وأخضع أعضاءها و أنصارها لـ "الهرسلة" الأمنيّة المستمرّة. و لم يكن له من هدف سوى إجهاض هذه التجربة التي تمثّل مسعًى جدّيّا لتغيير المشهد السّياسي السّائد خلال العقدين الأخيرين و تكتيل كافّة القوى الرّاغبة فعليّا في وضع حـدّ للاستبداد وتحرير الحياة السّياسيّة.

إنّ القمع لم يمنع "هيئة 18 أكتوبر" من الاستمرار ومن التعبير عن مواقفها من عديد الأحداث والقضايا الهامة لا سيما منها الوطني، وتنظيم الاحتجاجات التي استقطبت اهتمام الرأي العامّ الدّاخلي و الخارجي وإطلاق سلسلة ندوات "منتدى 18 أكتوبر" الحواريّة وإجراء اتّصالات بالجهات و الهجرة لتوسيع عمل الهيئة وهيكلة نشاطها و ربط صلات بعديد القوى الدّيمقراطيّة و التقدّميّة في العالم التي تدعم نضال الحركة الدّيمقراطيّة التّونسيّة ضدّ الاستبداد.

إنّ "هيئة 18 أكتوبر للحقوق و الحرّيّات"، و هي تحيي الذكرى الأولى لتحرّك 18 أكتوبر 2005، تعبّر عن إصرارها على المضيّ قدمًا من أجل تحقيق الأهداف التي رسمتها لنفسها و تجاوز العوائق الموضوعيّة و الذّاتيّة التي حالت دون تقدّم نشاطها بالنّسق المطلوب. وهي تجد في التّدهور المستمرّ للوضع السّياسيّ العامّ بالبلاد و في تطلّع التّونسيّات والتّونسيّين المتزايد إلى الحرّيّة و الكرامة حافزًا على الاستمرار و على التّمسّك بالرّوح الوحدويّة والكفاحيّة التي قامت عليها.

- II -

إنّ نظام الحكم يعيش اليوم مأزقًا حقيقيّا على كافّة الأصعدة لعجزه عن إيجاد الحلول المناسبة للقضايا الملحّة المطروحة و اقتصاره على التعاطي معها بأسلوب القبضة الأمنيّة.

إنّ السّلطة تشدّد الحصار على الأحزاب والتيّارات السّياسيّة، المعترف بها و غير المعترف، وتنتهك استقلاليّة الجمعيّات و الهيئات المهنيّة والحقوقيّة و الثقافيّة الرّافضة للاصطفاف فتمنعها بالقوّة من النّشاط ومن عقد مؤتمراتها (الرّابطة، نقابة الصّحفيّين..) أو تنقلب عليها و تنصّب على رأسها عناصر موالية (جمعيّة القضاة، جمعيّة المحاميــن الشبّان...) هذا إن لم ترفض أصلا الاعتراف بهــا كما هو حال العديد من الجمعيّات والهيئات الحقوقيّة و الثقافيّة.

و في نفس الإطار تتواصل الاعتداءات الجسديّة على مناضلات الحركة الدّيمقراطيّة و مناضليها وعلى النشيطات و النشطاء في مختلف المجالات كما تتواصل الاعتقالات التّعسّفيّة و المحاكمات الجائرة وممارسة التعذيب و التنكيل بالمساجين السّياسيّين و عائلاتهم. ولا تجد السلطة من وسيلة للتعاطي مع قضيّة "الخمار" سوى الحملات الأمنيّة العنيفة و المنتهكة للحرّيّة الشخصيّة والحرمان من الدراسة والشغل وسدّ الباب أمام أيّ نقاش حرّ لهذه القضيّة في وسائل الإعلام و في الفضاءات العامّة. و هي تتّخذ من "مقاومة الإرهاب" ذريعة لمزيد انتهاك الحرّيّات و التّعدّي على الحقوق.

كما أنّها تشدّد الخناق على ما تبقّى من منابر إعلاميّة مستقلّة عنها لإسكاتها نهائيّا، و تحكم على المبدعين المستقلّين، كتّابًا و مسرحيّين و سينمائيّين و فنّانين بالإذعان لجور لجان الرّقابة و مصالح الإيداع القانوني بوزارة الدّاخليّة أو التعرّض للمنع و التهميش و التجويع.

إنّ هذا التدهور الخطير للحالة السّياسيّة يقترن بتدهور مماثل للحالة الاجتماعيّة، و هو يتجسّد في تفاقم البطالة و الطرد الجماعيّ وانسداد الآفاق أمام الشباب و خاصّة منه حاملي الشهادات العليا، وتدهور المقدرة الشّرائيّة لعموم الشعب و تردّي الخدمات الاجتماعيّة وتفشّي الجريمة و غيرها من الأمراض الاجتماعيّة علاوة على ما يعانيه المواطنون في مناطق مختلفة من البلاد من انعكاسات خطيرة على حياتهم و صحّتهم لتفاقم التلوّث وتعدّد الحوادث البيئيّة.

وليس للسلطات من ردّ على هذه المشاكل وما تولّده من احتجاجات غير القمع وحملات التشويه والمماطلة و التسويف و التحرّش بالنقابات والنقابيّين ومواصلة الترويج عبثا لـ"أنموذج تونسي" مثالي لم يعد يصدقه أحد ومنع أيّ حوار وطني جادّ في الوقت الذي تواصل فيه الحكومة التفريط في الثروات الوطنيّة للشركات الأجنبيّة وإغداق الامتيازات على فئات قليلة ومحظوظة من المجتمع والتّخلّي عن دورها الاجتماعي وغضّ الطرف عن استفحال ظاهرة الفساد ومــا يترتّب عنها من إهدار لإمكانات البلاد وإلغاء لتساوي الفرص بين المواطنين في مجالي الأعمال و الشغل.

و قد عمّقت هذه المظاهر الفجوة بين نظام الحكم و بين مختلف الفئات الاجتماعيّة المتضرّرة من اختياراته.
و على صعيد آخر، أصبح النظام التونسي من بين الأنظمة الأكثر عرضة في السّاحة الدّوليّة للنقد والإدانة كلّ ما تعلّق الأمر بانتهاك الحرّيّات و حقوق الإنسان. ولا تقتصر الانتقادات الموجّهة إليه على المنظمات غير الحكوميّة بل تعدّتها إلى جهات رسميّة وهو ما زاد في عزلته دوليّا.

و إذا كان نظام الحكم لا يتورّع عن اتّهام معارضيه ومنتقديه في الدّاخل، زورًا، بـ "الخيانة" و"التواطؤ مع الأجنبي" لتبرير رفضه لمطالبتهم بإصلاح الأوضاع السّياسيّة و احترام حقوق المواطنات و المواطنين و حرّيّاتهم الأساسيّة، فإنّه لا يتوانى عن التّستّر، في مواجهة منتقديه في الخارج، بـ "رفض التدخّل في شؤون البلاد" و هي "حجّة" لا يثيرها حين يتعلّق الأمر بالتفريط في قطاعات استراتيجيّة للشركات الأجنبيّة و تنفيذ توصيات المؤسّسات الماليّة الدّوليّة ومفاقمة المديونيّة الخارجية والاصطفاف وراء سياسات الإدارة الأمريكيّة في المنطقة والتطبيع مع إسرائيل المستمرة في عدوانها الوحشي على الشعبين الفلسطيني واللبناني.

- III -

إنّ نظام الحكم يحاول بكلّ الوسائل تأبيد وضع سياسيّ متخلّف يستمرّ منذ خمسين سنة قوامه الحكم الفردي المطلق و إلغاء دور المؤسّسات و طغيان الأجهزة الأمنيّة على الحياة العامّة و غلبة أسلوب "التعليمات" على القانون وتوظيف الجهاز القضائي وانتهاك استقلاليّته و فرض الوصاية على المجتمع وإلغاء جميع الحرّيّات و تجريم ممارستها و تزييف الإرادة الشعبيّة و منع حصول أيّ تداول على السّلطة و جعل الرّئاسة مدى الحياة قاعدة للحكم.

إنّ هذا الوضع الذي يتعارض مع ما حقّقه الشعب التونسي، بجهده و تضحياته، من تقدّم في أكثر مـن مجال، و يهدّده بالتلاشي، هو الذي يكسب اليوم معركة الحرّيّة أهمّيّة قصوى بالنسبة لمجتمعنا حتّى تتحرّر طاقاته و يبني مستقبله على أسس ثابتة في ظلّ نظام ديمقراطي قائم على مبادئ المواطنة والحرّيّة والمساواة و صيانة حقوق الإنسان والسّيادة الشعبيّة،

* نظام ديمقراطي تتوفّر فيه للجميع:

* حرّيّة الضّمير والتفكير والعقيدة.

* حرّيّة التعبير والصحافة والإبداع.

* حرّيّة التنظم الحزبي والجمعيّاتي.

* حرّيّة الإضراب والاجتماع والتظاهر.

* حقّ المشاركة في الحياة العامّة.

* احترام الحرمة الذّاتيّة.

وتكون فيه المساواة بين المواطنين عامّة و بين النساء والرّجال خاصّة مبدأ غير قابل للتصرّف والاستنقاص.
كما تكون فيه مؤسّسات الحكم نابعة من الإرادة الشعبيّة عن طريق انتخابات حرّة و نزيهة في كافّة المستويات الوطنيّة و الجهويّة والمحليّة،

ويحترم فيه مبدأ الفصل بين السّلطات قانونا وممارسة وخضوع السلطة التنفيذيّة لمراقبة السّلطة التشريعيّة،
ويتمتّع فيه القضاء باستقلال فعليّ،

وتخضع فيه التشريعات لمراقبة محكمة دستوريّة مستقلّة عن السلطة التنفيذيّة.

إنّ "هيئة 18 أكتوبر للحقوق و الحرّيّات" التي تدرج نضالها صلب المصلحة الوطنيّة للشعب التونسي وفي إطار الذود عن سيادته واستقلاليّة قراره عن كلّ وصاية سواء كان مصدرها الاستبداد المحلّي أو التدخّل الخارجي، تجدّد عزمها على:

1 - جعل السّنة السّياسيّة الجديدة سنة نضال من أجل تحقيق المطالب التالية:

* إطلاق سراح المساجين السّياسيّين بكلّ أصنافهم و عودة المغتربين و سنّ قانون العفو التشريعي العامّ.

* حرّيّة التعبير و الصّحافة بما تعنيه من رفع الرقابة عن الصّحافة المكتوبة و المطبوعات و عن شبكة الانترنات و من وضع حدّ للضغوط المسلطة على الصّحفيّين و فتح الإعلام السمعي-البصري لمختلف مكوّنات المجتمع و إخضاعه لرقابة هيئة مستقلة وتعدّديّة و كذلك بتمكين كل الصحف والمجلات التي تقدّم أصحابها بمطلب من الوصل القانوني الذي يسمح لها بالصدور في انتظار إلغاء هذا الإجراء الجائر.

* حرّيّة التنظم الحزبي و الجمعيّاتي بما يعنيه من اعتراف بكلّ الأحزاب و الجمعيّات التي تسعى إلى التواجد في إطار قانونيّ و رفع كلّ القيود المفروضة على الأحزاب و الجمعيّات المعترف بها وفي مقدّمتها الرّابطة التونسيّة للدفاع عن حقوق الإنسان ونقابة الصّحافيّين التونسيّين و جمعيّة القضاة التونسيّين.

2 - التقدّم بخطًى أسرع في انجاز برنامج الحوار الوطني حول مقتضيات الحدّ الأدنى الدّيمقراطي.

- 3 الإعداد لندوة وطنيّة للقوى السّياسيّة و المدنيّة التونسيّة من أجل صياغة عهد ديمقراطي يكرّس ذلك الحدّ الأدنى.
وتؤكد "هيئة 18 أكتوبر للحقوق و الحرّيّات" مرّة أخرى أنّها مفتوحة لكافّة القوى السّياسيّة و المدنيّة المعنيّة بتحرير الحياة السّياسيّة و بالتغيير الدّيمقراطي من أجل التّكتّل ضدّ الاستبداد في المرحلة الحاليّة من تاريخ بلادنا.

و هي تتوجّه بالتّحيّة لكلّ التونسيّات و التّونسيّين الذين دعموا مواقفها و تحرّكاتها في داخل تونس وخارجها و تدعوهم جميعًا إلى مزيد الالتفاف حولها من أجل مستقبل أفضل لشعبنا وبلدنا.

تونس في 18 أكتوبر 2006



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني