الصفحة الأساسية > البديل الوطني > تردي المقدرة الشرائية للشعب التونسي يعري الوجه الحقيقي للسلطة
تردي المقدرة الشرائية للشعب التونسي يعري الوجه الحقيقي للسلطة
19 تشرين الأول (أكتوبر) 2006

مسّ التدهور المستمر للمقدرة الشرائية ببلادنا بعد قرابة العقدين من حكم بن علي وخمسين عاما من حكم الحزب الدستوري بالمصالح المادية للفئات والشرائح الوسطى والدنيا في المجتمع. وجعل أهم فئات الشعب التونسي تكتوي بنار ارتفاع الأسعار المتواصل والعجز عن توفير متطلبات الحياة. وهو ما عقّد أوضاع جل العائلات التونسية وجعلها تعيش الحيرة تلو الأخرى ولا تجد المخرج لإيقاف نزيف التدهور الذي لا تتوقف وتيرته سنة بعد أخرى.

إن هذا المشهد المحزن والمكرر الذي تتعرض له عائلاتنا من انتهاكات متواصلة يؤكد عجز السلطة القائمة عن تحقيق تنمية شاملة وحقيقية تستجيب لمقتضيات النهوض بالبلاد وتضمن مقومات العيش الكريم للشعب، حيث تفاقمت التبعية وهدرت الثروات العمومية وتفشى الفساد والإثراء غير المشروع وتعمقت الاختلالات الاجتماعية بين الفئات والجهات، وانتشرت حمى البطالة وتدهور مستوى العيش العام. ولم تجد جل العائلات من حلول للتعامل مع هذا التدهور سوى طرق أبواب التداين وطلب القروض بنسب تخرج أحيانا عن مستوى التحكم واضطرت بعض الأسر للتنازل مكرهة عن بعض الضروريات. وقد برز مجمل هذا التدهور جليا قبل وخلال شهر رمضان لهذه السنة الذي سبقته بأيام قليلة العودة المدرسية وما تكبدته العائلات خلالها من مصاريف ثقيلة وشاقة. ففي شهر رمضان ارتفعت أسعار العديد من المواد الاستهلاكية مثل المعدنوس والكلافز والأسماك بأنواعها والتمر (الذي ارتفعت نسبة إنتاجه من 113 ألف طن خلال الموسم الفارط إلى 126,7 ألف طن خلال الموسم الحالي) وكذلك الموز الذي ارتفع ثمنه من 1500 مليم قبل رمضان إلى 2000 مليم خلاله. كما ارتفعت أثمان الدواجن والخضر والأسماك خلال نفس الفترة.

إن المؤشرات الاقتصادية التي تبرز ارتفاع الأسعار تعكس في الحقيقة ارتفاع مؤشر التضخم الذي مر إلى 4,7% مقابل 2% في 2005 وهـو أعلى مستوى تضخم يتم تسجيله في بلادنا في الخمس سنوات الأخيرة. وتعد هذه النسبة مرتفعة مقارنة بما هو موجود في الدول المجاورة والشريكة للاقتصاد التونسي.

إن هذا التضخم يشكل تهديدا جديا للقدرة الشرائية للمواطن التونسي ويضعف مستوى استهلاكه اليومي حيث تراجعت القدرة الشرائية للمواطن حسب الأرقام الرسمية بـ0,2% على الأقل.

إن بهرج الزيادات في الأجور الذي تعمد السلطة كل ثلاث سنوات إلى تلميع صورتها به وإخراجه للاستهلاك الداخلي والخارجي على "أحسن" لا يمكن، مهما فعلت هذه السلطة، أن يوقف نزيف تدهور القدرة الشرائية للعمال والفئات الوسطى وخاصة الفقراء والمهمشين والعاطلين.. نظرا إلى الارتفاع المتواصل لأسعار المواد الأساسية والمحروقات وغيرها وعدم الأخذ بعين الاعتبار بعض المواد الاستهلاكية الحديثة كالأجهزة الالكترونية والأنترنيت والإعلامية والهوائيات والهاتف القار والجوال ومصاريف السيارة... ضمن المؤشر العام للأسعار.

وبالرغم من هذا البهرج الدعائي في الزيادات باعتباره سياسة تعديلية تسكينية لا أكثر ولا أقل، فإن هذه الأخيرة مازالت لم ترتق إلى مستوى الزيادات التي كانت تحصل لشرائح هامة من التونسيين في بداية الثمانينات ولا تلبي احتياجات الناس الحقيقية. والأسوأ من كل هذا أن نسبة الزيادات المسجلة في الأجور، والتي لم تتجاوز حدود 3% إلى 4% في أحسن الحالات، صحبها ويصحبها التضخم الهام الذي أشرنا إليه. ويمثل أصحاب الأجر الأدنى الصناعي والفلاحي، والذين بلغ عددهم ما يقارب الـ400 ألف عامل، أكثر الشرائح العمالية المتضررة من نزيف تدهور القدرة الشرائية. ويذهب الأستاذ جورج عدة إلى التأكيد على أن الدخل الجملي للسميقار قد سجل تدهورا خطيرا يجب تداركه يقدر بـ30,81% على ما كان عليه سنة 1883 بالرغم من أن القدرة الشرائية قد سجلت 24 زيادة في الأجور خلال 21 سنة (1984-2005).

إن سياسة الأجور هذه سوف لن تحل الإشكاليات العالقة لتعمد السلطة المسبق إلى عدم الرجوع إلى المؤشرات الاقتصادية الموضوعية التي تأخذ بعين الاعتبار تطور كل من نمو الناتج المحلي ومستوى إنتاجية العمل ومؤشر الأسعار الذي تعاملت معه السلطة بصورة جامدة دون مراعاة تطور هيكلية الاستهلاك مثلما أوضحنا ذلك سابقا. إن هذه السياسة اتسمت وتتسم بالركود والنمطية الجامدة رغم شكلها التعديلي وهي بذلك أقرب ما تكون إلى صيغة مقنعة وغير معلنة للضغط وتجميد الأجور للحد من كلفة الإنتاج ولاكتساب القدرة التنافسية وجلب الاستثمار الخارجي. كما لازالت البطالة تشكل هاجسا مستمرا للسلطة يفضح أكاذيبها باعتبار وأن أهل الاختصاص يقدرونها بحوالي 20 أو 25% تضاف إليها نسبة هامة من الذين يقومون بأعمال هامشية وغير قارة. وقد طالت البطالة لآول مرة في عهد بن علي حاملي الشهادات العليا الذين أصبحوا يمثلون حسب الأرقام الرسمية 6,3% من جملة العاطلين. وتتحمل ميزانية العائلة وحدها نفقات البنية الهامة من المعطلين والمهمشين الشيء الذي يثقل كاهلها ويحد كثيرا من قدرتها الشرائية المهترئة.

إن هذه الاختلالات على بساطتها في الظاهر والتي تتسبب فيها السلطة وتتحملها الفئات الشعبية، تنضاف إلى الاحتقان الداخلي العاصف بالقلوب والعقول، الناجم عن مشاكل ومشاغل اجتماعية واقتصادية وسياسية عميقة، تقود رويدا رويدا إلى تسارع العد التنازلي لنهاية هذا النظام الذي بنى سلطته على ثلاثية الاستغلال والدكتاتورية والفساد والذي يشكل الواجهة الحقيقية لما سماها الرئيس الفرنسي جاك شيراك بـ"المعجزة التونسية".



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني