الصفحة الأساسية > البديل الوطني > بين "حماية الأخلاق" و"مكافحة الإرهاب" ضاعت حقوق الناس!
بين "حماية الأخلاق" و"مكافحة الإرهاب" ضاعت حقوق الناس!
22 حزيران (يونيو) 2004

لم تُقنع الرجعية النوفمبرية الحاكمة في تونس هدية "مكافحة الإرهاب" التي نزلت عليها من أسيادها الأمريكان، فأضافت إليها "حماية الأخلاق" وهكذا أحكمت ربط الحبل على رقاب الشعب التونسي وأوجدت لنفسها ذريعة لمزيد ضرب حقوق الإنسان المدنية والسياسية، في وضح النهار، هذه المرة، ودون أقنعة أو تستر.

وإذا كان قانون "حماية الأخلاق" يستهدف بالدرجة الأولى الحريات الشخصية فإن قانون "مكافحة الإرهاب" يطال الحريات العامة أولا. ويمثل هذا وذاك مجتمعين كمَّاشة بيد البوليس وسائر أجهزة القمع لمضايقة الناس وملاحقتهم ومراقبة حركاتهم وسكناتهم ولتضييق الخناق على أبسط حرياتهم وإلصاق التهم الباطلة وفبركة القضايا ضدهم.

وإذا كانت الفئة الاجتماعية المستهدفة قبل غيرها بدعوى "حماية الأخلاق" هي فئة الشباب من الجنسين، فإن ضحايا "مكافحة الإرهاب" هم بالدرجة الأولى شريحة الأحرار والمعارضين والخارجين عن الصف السياسي النوفمبري من قادة الأحزاب والمنظمات الديمقراطية وإطاراتها ونشطائها وقواعدها.

لم تكف الشباب الأوضاع المزرية التي يعاني منها وخاصة البطالة وانسداد الآفاق فزادوه قمعا على قمع وتوخوا معه خيار الهروب إلى الأمام (أي إلى الوراء) كأنهم ليسوا المسؤولين عن الفساد الذي ينخر المجتمع، بما في ذلك تردّي الأخلاق وتفشي الانحراف والجريمة وتدنّي المستوى الذهني.

إن السياسة الاستبدادية المتبعة والثقافة الهجينة المروّجة، والطبقية الظالمة المفضية إلى تجميع الثروة بين أيدي قلة كسولة ونهّابة مقابل حرمان الأغلبية الكادحة والإمعان في تفقيرها وتدميرها، كل ذلك وما ينجر عنه من إحساس بالقهر والغبن والعجز لا يمكن أن يؤدي إلا إلى التدهور العام، بما فيه تدهور العلاقات والمعاملات: علاقة الرجل بالمرأة، والجار بالجار، ومعاملة البائع للشاري، والعون الإداري للمواطن، وعون التمريض للمريض، ومن ثمة تفشي آفات التحرّش الجنسي والاغتصاب والغش والوشاية والإدمان والسرقة والنشل والقتل، والتجاهر بما يؤذي ويضايق ويحرج ويجرح. ومعلوم أن "النّاس على دين ملوكهم" كما يقال قديما، بمعنى أن الحاكم يظل قدوة لمحكوميه، وخاصة في ظل السياسة القهرية والمجتمعات المستبطنة لفكرة "الواحد الأحد" فإذا صَلُح أثّر إيجابا وإذا فسد أثّر سلبا وصنع رهطا على شاكلته.

إن المضايقات التي أضحى المارة، راكبين وراجلين، متجوّلين أو مسافرين، عرضة لها من طرف أعوان الشرطة والحرس زادت طين الاعتداءات بلة وضاعفت من إذلال التونسي وإشعاره بالقهر في بلاده، خصوصا والتعلات التي باسمها يقع إيقاف الأشخاص وطلب الاستظهار بهوياتهم وسؤالهم في أمورهم الخاصة (ما علاقة هذه بك؟ من تكون؟ ما الذي جمعكما، من أين وإلى أين؟ ما تشتغل وفي أي مكان بالضبط؟ لماذا جئت إلى هنا؟ ما الذي في يدك؟..) هذه التعلات تبقى غامضة وغير معللة بل تتداخل فيها "حماية الأخلاق" و"مكافحة الإرهاب" على أساس أن كل مواطن متهم (اغتصابي، إرهابي…) حتى تثبت براءته. وما من شك في كون "الإرهاب" هو أيضا نبتة من نبات الدول الامبريالية والدويلات الدائرة في فلكها، وإذا كانت تلك مُفرزة للإرهاب بسياساتها العدوانية وظلمها الاستعماري، فإن هذه منجبة للإرهاب بعمالتها ودكتاتورية أنظمتها وفساد طغمها الحاكمة، وبالتالي، وفي غياب البدائل الجماهيرية أو ضعفها وأمام استحالة التعبير المدني والعلني، غالبا ما يتّخذ ردّ الفعل شكل العمليات الإرهابية التي تتولاها جماعات أو أفراد!

وتجد الرجعية في معزوفة مكافحة الإرهاب أقصر السبل وأقلها مشقة لمواجهة مطالب شعوبها ومعارضيها، فقد منحتها هذه المعزوفة إمكانية الخلط داخل كيس واحد بين المقاومة التحررية المشروعة وبين الأعمال الإرهابية المعزولة، وأعطتها فرصة التذرع بمواجهة الخطر الإرهابي لخنق أنفاس مواطنيها وتصفية أبسط الحقوق المدنية والسياسية.

وتسوق الامبريالية الأمريكية توابعها في العالم سوق الماعز، وتهشّ عليهم بعصا مكافحة الإرهاب وتساومهم في ذلك بالحماية فيخضعون صاغرين ويتسابقون لمرضاتها، ويسنون التشاريع الخاصة بـ"مكافحة الإرهاب" ويسببون مزيدا من المتاعب لشعوبهم ومجتماعتهم مقابل إرضاء ولية أمرهم الولايات المتحدة.

ويا ويح الشارع الذي اجتمعت عليه "حماية الأخلاق" و"مكافحة الإرهاب" ماذا يفعل! إن الفعل الوحيد المناسب هو فعل التصدي لمثل هذا البهتان وتحميل السلط القامعة مسؤولية التدهور العام وفضح أغراضها الحقيقية من سن هذين القانونين، باعتبارها هاربة من مواجهة نتائج سياساتها الخرقاء، سالكة سلوك النعامة، لكن نعامتنا لا تدس وجهها في التراب، بل تتحوّل إلى وحش مفترس، وتأتي على الأخضر واليابس.

قوانين قمعية تنضاف إلى ترسانة القائمة، لا بد من إسقاطها وطرح البدائل، بدائل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة الوطنية.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني