الصفحة الأساسية > البديل الوطني > خواطر حول الرياضة في تونس
خواطر حول الرياضة في تونس
1 آذار (مارس) 2004

لئن كانت الرياضة في العصور القديمة أداة مساهمة في تنمية المدارك العقلية (العدو عند اليونان) أو أداة مستعملة في التدريبات العسكرية (عند الرومان أو الفراعنة)، ولئن اعتبرها الصينيون القدامى الوسيلة الوحيدة لإرساء التوازن والتوافق بين الروح والجسد، فإننا نجدها اليوم أداة في يد البرجوازية تستعملها في تحويل وجهة الشعوب وإلهائها عن مشاغلها الحقيقية، وميدان استثمار للطبقات الثرية تدر عليها أرباحا طائلة على حساب الطبقات والفئات المسحوقة.

وبطبيعة الحال فإن الرياضة في تونس لا تخرج عن دائرة الإيديولوجيا البرجوازية في تهميش وتبليد ذهنية الشباب، الفئة الأكثر حيوية في المجتمع ومعترك الصراع بين القوى الرجعية والقوى التقدمية عبر التاريخ. إن "الانجازات الضخمة" التي طالما تشدق بها النظام الحاكم واستعملها كورقة رابحة في إيهام الشعب بأنه راعي الشباب والرياضة وأنه حامل هموم البلاد والعباد رغم ما تحمله في ظاهرها من مؤشرات التقدم فإنها تحمل في باطنها تناقض واضحا. فلو قمنا بجمع الأموال المسخرة لتنظيم كأس إفريقيا 1994 لكرة القدم وألعاب البحر المتوسط 2001 وكأس إفريقيا لكرة اليد 2003 وكأس إفريقيا لكرة القدم 2004 لأسهمت بصورة جدية في حل مشكل البطالة ولأنقذت شبابنا من قوارب الموت (الحرقة). ولكن هذا غير ممكن لأن هذا الخيار المتمثل في مراهنة الدكتاتورية على الرياضة كأفيون لتخدير الجماهير هو من طبيعة هذا النظام الفاسد وأداتها في تأبيد السائد ومغالطة الرأي العام وإلهائه عن المشاكل والأزمات الاقتصادية والسياسية التي تتخبط فيها البلاد منذ "التغيير المبارك". ولعل تنظيم كأس العالم لكرة اليد 2005 والترشح لتنظيم كأس العالم لكرة القدم 2010 سيكونان "الحربوشة" الثانية بعد حربوشة ما قبل الانتخابات 2004 (كأس إفريقيا).

إن الرياضات الفردية في تونس لا تخرج عن هذا السياق خاصة بعد تخلي الدولة عن تمويل الجمعيات الرياضية. حيث يتكفل رؤساء الجمعيات في بعض الرياضات الفردية (الكيك بوكسينغ مثلا) بكل المصاريف. نذكر على سبيل المثال تنظيم كأس العالم في 27 جويلية 2003 دون دعم من الدولة، تكفل به اللاعب "النوري العوني" وهو من المترفين. وتنظيم البطولة العربية "للغول كونتاكت" في ديسمبر 2003 على حساب رئيس الجمعية التونسية للكيك بوكسينغ، فاحش الثراء، "فتحي العجوز".

ولعل هذا ما فتح المجال أمام الاستغلاليين البرجوازيين للسمسرة والعربدة في هذا الميدان. ونخص بالذكر "عز الدين بن يعقوب" وغيره ممّن ساروا على خطى "دون كينغ" الأمريكي، لنصل إلى أبشع أشكال الاستغلال الرأسمالي في ميدان الرياضة وذلك عبر تنظيم لعبة Chutt figther (شوت فايتر) أو لعبة الموت كما يروق لجمهورها البرجوازي أن يسميها بداية من سنة 2000 بالتنسيق بين رجال أعمال أجنبيين وتونسيين. وتفتقر هذه اللعبة إلى الحد الأدنى الإنساني. فلا وجود لأية قوانين من شأنها حماية اللاعب الذي يضطر إلى التوقيع على ورقة تبرئ هؤلاء المقامرين بأرواح البشر في حالات الموت. وتقام هذه اللعبة مرتين في السنة في أحد النزل الكبيرة في ولايتي سوسة وتوزر. ويتقاضى اللاعب مبلغ 150 دينار في حين أن أرباح هذه اللعبة تقدر بالملايين.

ولا تعد معاهد الرياضة استثناء في برامج السلطة، إذ تسهر على تنصيب أعضاء الحزب الحاكم في كل المراكز الهامة ولعل ما حدث بالمعهد الأعلى للرياضة بقصر السعيد يقوم خير دليل على ذلك، إذ تم طرد مدير المعهد السنة الماضية بسبب مساندته لإضراب الطلبة إثر العدوان الأمريكي على العراق واستبداله بالمدعو "رضا العيوني" وهو رئيس أحد الشّعب بباردو. وكذلك الشأن بالنسبة للمسؤول عن المبيت والمطعم الجامعي "خالد حمزة" وهو أحد كوادر "التجمّع"، وتنصيب رياضيّة سابقة معروفة (سبّاحة) في رتبة أستاذة جامعية في حين أنها دون هذه الرتبة، وهي تشتغل في نفس الوقت سكرتيرة بوزارة الرياضة! دون أن ننسى إلغاء درجة التدريب بالنسبة للأستاذية، إذ أصبح أستاذ الرياضة لا يتحصل إثر تخرجه على أي درجة بعد أن كان يحصل على الدرجة الثالثة مما يضطره إلى إكمال تكوينه بعد التخرج مما يضعنا أمام "كاباس" رياضية !

ولا يخفى على أحد أن رئاسة الجمعيات الرياضية في تونس لا تُسْنَدُ إلا لأعضاء الحزب الحاكم شأنها في ذلك شأن كل الهيئات الرياضية الأخرى.

إن الرياضة في تونس أداة من أدوات السلطة الفاعلة في تهميش وإلهاء الشعب التونسي عن مشاغله الحقيقية وإطار للنهب والاستثمار والسرقة والسمسرة. وعلى كل القوى التقدمية في تونس أن تناضل من أجل أن تكون الرياضة للجميع وفي خدمة الجسد والعقل، بعيدة عن منطق التخدير والاستثمار المادي البحت، ومن أجل التسيير الديمقراطي لكل المعاهد والجمعيات والهيئات الرياضية…



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني