الصفحة الأساسية > البديل الوطني > "حريات، حريات، لا رئاسة مدى الحياة"
"حريات، حريات، لا رئاسة مدى الحياة"
25 تشرين الأول (أكتوبر) 2007

هذا الشعار الذي رفع باحتشام وفي نطاق محدود خلال المهزلة الانتخابية لعام 2004، عاد اليوم ليرفع بأكثر جرأة من قبل العديد من مناضلات ومناضلي الأحزاب والجمعيات والهيئات المستقلة والنقابيين الذين هبوا للتعبير عن مساندتهم للإضراب عن الطعام الذي خاضته منذ يوم 20 سبتمبر 2007 الأمينة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي، السيدة مية الجريبي ومدير جريدة "الموقف" السيد أحمد نجيب الشابي احتجاجا على سعي السلطة المحموم إلى إخراج الحزب من مقره المركزي بالعاصمة تحت غطاء "نزاع مع مالك المحل". ويمكن التأكيد أن هذا الشعار، أي "حريات، حريات، لا رئاسة مدى الحياة" قابل لأن يتحول إلى شعار مركزي في المرحلة القادمة لما فيه من تعبير مكثف عن الحالة السياسية ببلادنا واختزاله المطلب الرئيسي أو بالأحرى ما ينبغي أن يكون مطلبا رئيسيا للحركة الديمقراطية "من هنا إلى عام 2009 موعد المهزلة الانتخابية الجديدة.

1 – تكريس الرئاسة مدى الحياة

إن السلطة، تعمل الآن، بكل الوسائل على تأبيد حكم بن علي الفردي المطلق عبر تكريس الرئاسة مدى الحياة. فقد اطلقت أبواق النظام منذ اشهر حملة عبر وسائل الإعلام وعبر معلقات كبيرة "تزين" مداخل المدن التونسية، لـ"مناشدة" بن علي أن "يقبل" الترشح لولاية خامسة. ومن المنتظر، وحسب ما جرت به "العادة" أن يردّ هذا الأخير على تلك "المناشدات" التي "طبخت" في قصر قرطاج بإعلانه "الاستجابة لرغبة الشعب" لمواصلة "خدمة الوطن"، في انتظار إعادة نفس سيناريو عام 2014.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن السلطة تمعن في كبت الحريات الأساسية وبالخصوص حرية التعبير والصحافة وحرية التنظم والاجتماع وفي الاعتداء على المناضلات والمناضلين من مختلف الاتجاهات، (وكان آخر هذه الاعتداءات حرق مكتب الأستاذ عياشي الهمامي) وفي محاصرة مقرات الأحزاب والجمعيات والهيئات المستقلة وهي لا تتورع عن منع الأنشطة فيها، وحتى غلقها بالضغط على مالكيها وحملهم على تقديم قضايا ضد متسوغيها سرعان ما يحكم فيها قضاء التعليمات بفسخ عقد الكراء وإخراج الكاري لشل نشاطه الحزبي أو الجمعياتي. كما أنها تمنع أي احتجاج سياسي أو اجتماعي في الشارع للحيلولة دون تطور معارضة واسعة ومؤثرة ضد بن علي، من هنا إلى تاريخ المهزلة الانتخابية لسنة 2009، حتى يظهر وكأن بقاءه في الحكم يحظى بتأييد شعبي واسع وليس مفروضا بقوة البوليس الغاشمة وعن طريق انتهاك الحريات الأساسية والتزوير الانتخابي ودوس الإرادة الشعبية.

2 - الرئاسة مدى الحياة تعوق تطور الحياة السياسية

إن الحكم الفردي المطلق الذي يتخذ في تونس كما في بلدان عربية أخرى، شكل الرئاسة مدى الحياة بصورة واضحة أو مقنعة، يمثل عصب النظام السياسي في بلادنا وهو العائق الرئيسي أمام تطوره، وأمام تمتع الشعب التونسي بحقوقه الأساسية بما فيها حقه في اختيار من يحكمه. كما أنه يمثل العائق الرئيسي أمام قيام دولة قانون ومؤسسات، لأن "الرئيس مدى الحياة" هو الذي يسيطر قانونا وممارسة على كل الدواليب ويمسك بكل السلطات، تنفيذية وتشريعية وقضائية، ولا وجود لمؤسسة تراقبه أو تحاسبه أو تعزله. ومن المعلوم أن بن علي كان أدخل عام 2002 بندا في الدستور يضمن له "الحصانة القضائية" مدى الحياة. وبهذه الصورة لم يبق من الجمهورية في بلادنا سوى الاسم، أما الواقع فهو حكم فردي مطلق لبن علي، ربما يغبطه عليه بعض الملوك والأمراء الذين لا يتمتعون بما لديه من نفوذ.

3 – الحكم الفردي المطلق لتأبيد الاستغلال والفساد والعمالة

ومن نافل القول إن هذا النمط من الحكم الاستبدادي الذي يعوق تحقيق الحرية والديمقراطية يشكل الإطار السياسي الذي تحقق فيه الأقلية البورجوازية المحلية الجشعة والفاسدة وكذلك الشركات والمؤسسات والدول الأجنبية نهب البلاد واستغلال بناتها وأبنائها استغلالا فاحشا بحماية من الأجهزة البوليسية والقضائية والإدارية، لذلك فإذا كان مصاصو عرق الكادحين وناهبو ثروات تونس وخيراتها يطالبون اليوم ببقاء بن علي في السلطة ويقدمون إليه الدعم وينظمون له "المناشدات" فإنما يفعلون ذلك دفاعا عن مصالحهم الضيقة والأنانية وليس عن أي شيء آخر إذ لا شيء يربطهم بالشعب وبالبلاد غير رابطة الاستغلال والنهب الذي يمثل تفاقم ظاهرة الفساد أكبر مجسم له.

أما بالنسبة إلى الطبقات والفئات الشعبية فإن بقاء بن علي في الحكم لا يعني موضوعيا سوى استمرار الظلم والاستغلال والاضطهاد والتبعية أي بصورة ملموسة تفاقم الطرد الجماعي والبطالة والتهميش، خصوصا بالنسبة إلى الشباب وبالأخص حاملي الشهادات العليا، واستمرار تدهور المقدرة الشرائية للعمال والأجراء وعموم الكادحين بسبب غلاء الأسعار من جهة وتدني الأجور والمداخيل من جهة ثانية. كما أنه يعني استمرار تردي الخدمات الاجتماعية من صحة وتعليم ونقل وسكن، واستفحال الجريمة والأزمة القيمية التي تنخر المجتمع التونسي والتي تكاد تحوله إلى غابة، وأخيرا وليس آخرا فإن بقاء بن علي في الحكم يعني تعمق التصحر الثقافي بسبب قمع الإبداع والمبدعين والتضييق عليهم ومنعهم من الإسهام في النهوض بمجتمعهم وبلدهم.

4 – شعار يعكس رغبتين متضادتين:

إن شعار "حريات، حريات، لا رئاسة مدى الحياة" يعبر بشكل دقيق عن رغبتين متباينتين نابعتين من مصلحتين متضادتين، من جهة أولى رغبة الشعب التونسي في الحرية والتحرر حتى يمسك مصيره بيده ويدير شؤونه بنفسه في ظل جمهورية ديمقراطية حقيقية، وذلك هو معنى المناداة بالحرية (حريات، حريات...) ومن جهة ثانية رغبة الأقلية المعادية للشعب والوطن، التونسية والأجنبية، في تأبيد الاستبداد من خلال دعمها لرئاسة مدى الحياة، لضمان استمرار سيطرتها على الاقتصاد والمجتمع.

وإلى ذلك فإن ميزة الشعار المذكور هي أنه يستهدف "أصل الداء" ويطرح المهمة الرئيسية التي لا أمل في تطوير الحياة السياسية ببلادنا دون إنجازها. ففي أنظمة الاستبداد، لا فائدة تـُرجى من نقد النظام السياسي، دون نقد الحكم الفردي المطلق، دون نقد الرئاسة مدى الحياة في المقام الأول، ولا يمكن كسب معركة الحرية السياسية إذا لم توجه السهام، بشكل رئيسي، إلى هذه المؤسسة ولن يحصل التغيير الديمقراطي إذا لم يتم إلغاؤها ووضع حد لها بشكل حاسم ونهائي.

إن القوى الديمقراطية، مطالبة، نتيجة ذلك، أن لا تضيّع وقتها الآن في الحسابات الجزئية، الضيقة، وأن لا تتلهى بإعداد القائمات لـ"الانتخابات التشريعية" طمعا في الحصول على مقاعد في برلمان صوري، هي تعرف مسبقا بأنها رشوة سياسية توزعها وزارة الداخلية على أحزاب الديكور مقابل مساندتها للاستبداد وتواطئها معه، أو توهّما في "خوض معركة" شروطها غير متوفرة اليوم، وتتناسى التركيز على المسألة الرئيسية، مسألة الرئاسة مدى الحياة، مسألة الحكم الفردي المطلق، وضرورة التصدي له بشكل واضح وجلي، من خلال التصدي لترشح بن علي لولاية خامسة وللقانون الانتخابي الذي لا يسمح عمليا إلا للحزب الحاكم بتقديم مرشح للرئاسة.

5 – تحويل شعار "حريات، حريات..." إلى شعار وطني

إن المطلوب، في هذا الإطار، هو تحويل شعار "حريات، حريات، لا رئاسة مدى الحياة" إلى شعار وطني، يردده العمال والكادحون في المدينة والريف، كما يردده الطلاب والتلاميذ والمثقفون وكافة المتضررين من أكثر من نصف قرن من الاستبداد. وإذا أفلحت الحركة السياسية في هذه المهمة فإنها ستكون قطعت شوطا كبيرا إلى الأمام ومهدت السبيل إلى نقلة نوعية في الوعي السياسي للشعب التونسي الذي ينبغي أن يدرك أن عدوه الأول هو الاستبداد، الدكتاتورية، الحكم الفردي المطلق.

إن "الضرب" ينبغي أن يبدأ من فوق حين يتعلق الأمر بالاستبداد أي بـ"راس الحكم"، الحكم الفردي المطلق، ومن لا يجرؤ على القيام بذلك فإنه لن يفلح في شيء، ولن يتقدم خطوة جدية واحدة في تحقيق المشروع الديمقراطي ببلادنا. فالأفعى لا يقضى عليها إلا إذا ضربت على رأسها، أما أن يُقطع ذيلها أو حتى ثلثها، فإنها قادرة على استعادته بعد مدة. كما أن أذاها لن يتوقف بل إنه سيستمر وربما بأكثر شراسة وعدوانية. وكذلك الاستبداد، فإذا لم يُقض على المؤسسة التي تنتصب على رأسه، أي على مؤسسة الحكم الفردي المطلق التي تتخذ شكل الرئاسة مدى الحياة، فإنه سيظل قائما وقادرا على إعادة إنتاج نفسه، وتجاوز الأزمات التي تحفّ به والتي قد تضطره في هذه اللحظة أو تلك إلى تقديم بعض التنازلات.

لقد بينت التجربة في تونس أنه طالما أن الحركة السياسية والمدنية بجميع مكوناتها لم تطرح قضية الرئاسة مدى الحياة، قضية الحكم الفردي المطلق، الاستبدادي وانحصرت مطالبها في مطالب جزئية لا تضع ذلك الحكم موضع سؤال ولا تعمل على وضع حد له. فقد ظل قائما وتمكن في كل الفترات من تجاوز الصعوبات التي اعترضته. فلم يكن يضير بورقيبة مثلا أن ينصبّ النقد أو غضب الشارع على وزير أو وال أو أي مسؤول آخر، فالمهم أن لا يطوله، هو، النقد والغضب، لأنه كان يدرك أنه طالما أنه موجود فنظامه سيظل موجودا. وتواصل الأمر مع بن علي على نفس الوتيرة، وأصبحت الكلمة التي تردد في كل ركن "انقد من تشاء عدا بن علي" أي انقد من تشاء من "الأذناب". من الذين لا سلطة لهم، عدا، الحاكم الفردي المطلق، الذي من المفروض أن تنصب عليه معارضة الناس في المقام الأول لأنه المتحكم في كل شيء والمسؤول الأول عن كل شيء.

ومن هذه الزاوية تكمن أهمية شعار "حريات، حريات، لا رئاسة مدى الحياة" فهو يطرح المسألة الرئيسية في واقعنا السياسي بشكل واضح، ولهذا السبب من الضروري أن يتحول كما قلنا إلى شعار عام. حتى نعبّد الطريق نحو التغيير الديمقراطي.

6 – شعار قابل للتكريس

إن هذا الشعار قابل للتكريس على كل الواجهات. فليست القوى السياسية معنية به فحسب، بل كذلك النقابات والجمعيات والهيئات المهنية والحقوقية والثقافية والشبابية والنسائية المستقلة، إذ أن جميعها متضرر من الاستبداد السياسي لنظام بن علي. ومن هنا إلى عام 2009 ستحاول السلطة كالمعتاد الحصول على تزكية ترشيح بن علي من الاتحاد العام التونسي للشغل والهيئات المهنية الأخرى من محامين وأطباء ومهندسين وفنانين وكتاب ومثقفين لتكون تلك التزكية المدخل إلى تزوير الإرادة الشعبية ودوسها، لذلك فإن المطلوب من كل العناصر الواعية في هذه المنظمات والهيئات، وفي صفوف المبدعين والمثقفين أن يَحُولوا دون حصول بن علي على تلك التزكية، وأن يرفعوا صوتهم ضد الرئاسة مدى الحياة التي تعني رفض ترشح بن علي لولاية خامسة كما تعني تحوير الدستور لتحديد عدد الولايات والحد من صلاحيات الرئيس وإخضاعه للمحاسبة ومراجعة المجلة الانتخابية لإقرار مبدأ الترشح الحر للانتخابات الرئاسية، وإقرار حرية التعبير والصحافة والتنظم والاجتماع التي لا يمكن بدونها إجراء انتخابات حرة، وفصل الحزب الحاكم عن الإدارة وتحييدها والتزام استقلالية القضاء حتى يكون الضامن لنزاهة الانتخابات وشفافيتها والمحاسب لكل تزوير مهما كان مصدره.

ومن المؤكد أن الحركة الاجتماعية ستكون خير سند للنضال على هذه الواجهة السياسية. فالعمال والأجراء يتحركون في أكثر من قطاع، وكذلك المعطلون عن العمل من أصحاب الشهادات العليا، والمهمشون، ويسود التذمر كل الفئات الشعبية وأوساط المثقفين والمبدعين، ومن المهم جدا أن يدركوا أن أصل الداء هو الحكم الفردي حامي الاستغلال والفساد فينخرطون في النضال ضده فتتطور من هنا إلى 2009 حركة سياسية اجتماعية ترفض الرئاسة مدى الحياة وتطالب بالتغيير الديمقراطي.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني