الصفحة الأساسية > البديل الثقافي > من العاقل ومن المجنون !!!؟؟؟
إطلالة:
من العاقل ومن المجنون !!!؟؟؟
3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011
سمير طعم الله

لم تكن مدينتي «القيروان» المزروعة في سهول الوسط البعيد، رمزا للحكمة والثراء الفكري والحضاري ومتحف رقادة وجامع عقبة وبيت الحكمة ومهد الحضارة العربية الإسلامية في شمال إفريقية فقط..

لقد كانت كذالك في أواخر السبعينات والثمانينات حتى أواسط التسعينات تتميز بظاهرة فريدة أعطتها بعدها الإنساني والحميمي، وقتئذ عرفت القيروان بمدينة يملأ شوارعها الكثير من المجانين والمختلين عقليا «المهبول»... وكانوا يعيشون وسط الناس دون أي قلق أو إقلال، بل على العكس لقد كانوا مبعث بهجة... أوردت هذا لأن صورة لمعتوهين طفت على السطح من تلافيف الذاكرة وأنا أتابع موقف المثقف من نتائج الانتخابات... أصل الحكاية أن أشهر معتوهين في القيروان كان يعيشان في شوارعها بانسجام وهما «ميلاد» و «صالح» ... «ميلاد» ، رجل في الأربعين من العمر قوي البينية عريض الكتفين والمنكبين بوجه مدور وأسمر وعينين حادتين تنقبان في الفضاء الممتد حوله كالباحث عن شيء أضاعه في الطريق، كان يجوب المقاهي وهو حافي القدمين يرتدي معطفا في كل الفصول، وكلما مرّ بجمع حول طاولة يرتشفون ما طاب من القهوة أو الشاي إلاّ واخذ أحد الكؤوس وشربه دفعة واحدة دون استشارة أحد.. ثم يواصل طريقه. وإذا قال له أحدهم «زفو يا ميلاد زفو» ينزل بكفّه على قفا من كان أمامه...

أما «صالح» فهو نحيف البنية قصير القامة سريع الحركة لا يهدأ، يتحرك في كل الاتجاهات في ذات اللحظة.. كما أنه لا يصمت أبدا، فتراه يسير كأنه يجري ويتمتم ويسب أحيانا ويشتم وفجأة يتوقف ليخاطب أحد الأطياف التي تتراءى له وحده بعين خياله دون أن نراها نحن ويجري معها حوار مطول حول بورقيبة وما فعله من أخطاء وجرائم في حق الشعب التونسي ثم ينطلق بسرعته المعهودة دون توقف لا عن الكلام ولا عن السير...

يوم الحادثة التي سأرويها كنت أجلس في مقهى في تقاطع طرق دائري بقلب المدينة صحبة أساتذتي وكنت حديث العهد بالمدينة.. وقبالة المقهى يوجد دكان مصور فوتوغرافي أمامه شرفة صغيرة مغطاة غالبا ما كان ميلاد يقضي فيها قيلولته مفترشا بعض أوراق الورق المقوى المعدة لتغليف الثلاجات وغيرها من المواد المنزلية...

كان يغط في نوم عميق لم يثر انتباهنا لتعودنا على وجود وفي ومضة برق مرق صالح من لا نعلم من أين كأنما نبت من الأرض واستوى جالسا تحت قدمي ميلاد وهو نائم، وأخذ يدغدغ كفي ساقيه وميلاد ينكمش أحينا وينقلب على جانبه الآخر أحيانا، لكن صالح أمعن في الدغدغة وأصر على مشاكسة صديقه.. عندها نزع ميلاد عنه الغطاء وصاح في وجه صالح بصوت قوي أربك بعض المارة قائلا: «أشبيك هبلت ياخي» (هل جننت !!!؟؟؟)..

ضحك الجميع وأصابني ارتباك واستبدّا بي السؤال، من منّا العاقل ومن المجنون؟؟؟!!!

من جنّ في هذه الحملة الانتخابية ومن هو على صواب الناخب أم المثقف!!!

ماذا قدّم المثقف للناخب حتى يختار من يدفع به إلى الأمام نحو تقدّم عجلة التاريخ، فالمثقف يدغدغ في أماكن ليست موضع الحكّة في جسد الشعب مما جعل المواطن في وادي والمثقف في وادي...

وفي هذا الركن سننشر نص لسارتر ترجمه الصديق رضا البركاتي حول دور المثقف ليكون منطلق جدل بناء من أجل إعادة المثقف إلى مربع الفعل الطلائعي الذي يهيأ الآتي ويعبّد الطريق للمستقبل دون ارتباك ودون أن نسأل من العاقل ومن المجنون؟؟

سمير طعم الله
Samir.taamallah@gmail.com



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني