الصفحة الأساسية > البديل الوطني > انقلاب 4 ديسمبر ليس نهاية المطاف والنضال من أجل استقلالية القضاء سيتعزز
انقلاب 4 ديسمبر ليس نهاية المطاف والنضال من أجل استقلالية القضاء سيتعزز
15 كانون الثاني (يناير) 2006

اكتملت يوم 4 ديسمبر الماضي الحلقة الأخيرة من مسلسل الهجوم على جمعية القضاة التونسيين بعقد مؤتمر أدى إلى تنصيب قيادة "موالية" على رأسها. وقد استعمل نظام بن علي أساليبه المعهودة في الانقلاب على الهيئات الممثلة ليدوس على الشرعية في جمعية القضاة. فقد جنّد من داخل القطاع بعض بيادقه أو ما أصبح يعرف بـ"قضاة الإدارة" ودعمهم بما لديه من وسائل أمنية وإدارية ومالية ودفعهم إلى الواجهة ليفسدوا عمل الجمعية واجتماعاتها (مجلس وطني...) ويعلنوا أنفسهم "هيئة مؤقتة" لإعداد جلسة عامة انتخابية استثنائية وهي الجلسة التي تمت يوم 4 ديسمبر الماضي. ولم تتورع السلطة عن استعمال أسلوب الترهيب لحمل القضاة على حضور المؤتمر المسخ حتى يبدو للمراقبين "مؤتمرا أغلبيا" وحتى تضفي على سيره وعلى نتائجه صبغة شرعية. وفي هذا الإطار جندت وزارة العدل كافة السيارات الإدارية لنقل القضاة إلى مكان "المؤتمر". واستدعت عددا من القضاة المتقاعدين وخصصت لهم صندوق اقتراع أحكمت الوزارة قبضتها على المؤتمر من الداخل فأسندت رئاسة اللجان إلى "قضاة الإدارة". فرئيس المؤتمر، الحبيب يوسف، يشغل وكيلا عاما لدى محكمة الاستئناف بتونس. ورئيس لجنة الصياغة، رضا خماخم يتولى مهمة رئاسة خلية حقوق الإنسان بالوزارة. أما رئيس لجنة الاقتراع، منجي الأخضر، فهو رئيس دائرة تعقيبية. ولم يشهد المؤتمر أي نقاش بل كان مؤتمرا جنائزيا بأتم معنى الكلمة (انظر جريدة الموقف – العدد 338-9 ديسمبر 2005).

وفد كانت النتائج على مقاس المهزلة. فلائحة المؤتمر خصص معظمها للتهجم على المكتب التنفيذي الشرعي المخلوع وما تبقى منها خصص لشكر بن علي، ولي النعمة، والتسبيح بحمده.. وأهملت المطالب الشرعية للقضاة التي كان وضعها المكتب المخلوع في مقدمة اهتماماته. وتأتي في مقدمة تلك المطالب استقلالية القضاء. وأخيرا وليس آخرا تشكّل المكتب المُنصّب من 9 أعضاء، 8 منهم على 9 ينتمون إلى أصحاب الخطط الوظيفية (وكلاء رئيس، رؤساء دوائر، رئيس محكمة..)، وهي خطط تسند حسب درجة الولاء مما يؤكّد ارتباط المنصبين ارتباطا مباشرا بالوزارة.

كُرّس الانقلاب إذن وأصبحت جمعية القضاة من جديد في قبضة السلطة لتفرض عبرها ما تريد من مواقف وإجراءات على القضاة وتمنعهم من إسماع صوتهم، ولكن أيضا لتمعن في إخضاع القضاء لتواصل استعماله لتشريع القمع السياسي ونهب ثروات البلاد وخيراتها من قبل أقلية فاسدة. ولكن هل يعني ذلك أن أمر القضاة قُضي وأن الدكتاتورية أصبحت طليقة اليدين في هذا القطاع؟ لا نعتقد ذلك لسببين اثنين على الأقل. أولهما: يتمثل في أن أغلبية القضاة أصبحت ترفض الوضع المزري الذي يتردى فيه القضاء التونسي وهي تريد التخلص من هيمنة السلطة التنفيذية. وقد ظهر ذلك من خلال انتخاب هذه الأغلبية في المؤتمر السابق لمكتب تنفيذي يمثل مطالبها وطموحاتها وهو المكتب الذي تم الانقلاب عليه. وقد ظهرت هذه الإرادة أيضا خلال المؤتمر المسخ الأخير إذ أن أغلبية القضاة الذين أجبروا على الحضور وضعوا بطاقات بيضاء داخل صناديق الاقتراع أو كتبت عليها عبارات احتجاجية. ولا نخال هذه الإرادة ستنطفئ في القادم من الأيام بل إن المنتظر هو أن تقوى وتتعزز ممّا سيجعل المكتب الجديد المنصّب في عزلة عن أغلبية القضاة ويسرّع باندثاره.

أما السبب الثاني فيتمثل في أن مطلب استقلالية القضاء ليس مجرد مطلب قطاعي بل هو مطلب وطني تناضل من أجله الأحزاب والجمعيات والمنظمات الديمقراطية التي تعتبره ركنا أساسيا من أركان أي نظام ديمقراطي، لذلك فإن النضال من أجله لن يتوقف بل سيزداد تأكّدا بعد هذا الانقلاب باعتبار أن استقلالية جمعية القضاة هي لبنة أولى على طريق تحقيق استقلالية القضاء. وبعبارة أخرى فإن الانقلاب على جمعية القضاة لن يزيد نظام بن علي الدكتاتوري البوليسي إلا افتضاحا وأزمته تعمقا. والمطلوب اليوم من أغلبية القضاة المتمسكين بالشرعية أن لا يشعروا بالإحباط وأن يستمروا في نضالهم من أجل عودة الشرعية في جمعيتهم ويعزلوا المنقلبين ويعززوا روابطهم بحركة المجتمع المدني وبالحركة الديمقراطية عامة لأن مطالبهم وبالخصوص مطلب استقلالية القضاء هي جزء لا يتجزّأ من مطالب هذه الحركة ولا يمكن تحقيقها إلا في نطاق نضال شامل وتغيير جوهري لنظام الحكم في بلادنا يضع حدّا للدكتاتورية الغاشمة ويقيم أسس جمهورية ديمقراطية يكون القضاء المستقل أحد أعمدتها الرئيسية.

- عاشت جمعية القضاة مستقلة ممثلة
- من أجل قضاء مستقل، ديمقراطي وعادل.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني