الصفحة الأساسية > البديل الوطني > عشرون سنة في خدمة قضايا العمال والشعب
الذكرى العشرون لتأسيس حزب العمال:
عشرون سنة في خدمة قضايا العمال والشعب
15 كانون الثاني (يناير) 2006

مرت يوم 3 جانفي 2006 عشرون سنة على تأسيس حزب العمال الشيوعي التونسي. وقد كانت هذه السنوات حافلة بالنضال والتضحيات مما أهّل حزب العمال لأن يحتل اليوم موقعا متميزا في الساحة السياسية التونسية حيث يُحظى بالتقدير في كافة الأوساط الديمقراطية والتقدمية. وهو نفس التقدير الذي يُحظى به في الخارج أيضا من قبل الأحزاب والمنظمات والشخصيات الثورية والتقدمية والمعادية للامبريالية.

لقد تأسس حزب العمال استجابة لحاجة الطبقة العاملة والكادحين التونسيين عامة إلى حزب ثوري، بعد عقود عديدة من "اليتم السياسي"، يعبّر في خطه الفكري والسياسي وبرنامجه عن مصالحهم وطموحاتهم ويكرّس نشاطه العملي للدفاع عنها بإخلاص وتفان حتى يتسنى لهم تحقيقها. وقد بينت هذه السنوات العشرون من وجود حزب العمال أنه كان ولا يزال في مستوى المهمة التاريخية التي تأسس من أجلها وأنه يسير بثبات نحو إنجازها.

لقد ظل حزب العمال منذ تأسيسه متمسكا في خطه الفكري بمبادئ الاشتراكية العلمية (الماركسية اللينينية)، مدافعا عنها بصرامة رغم شدة الهجمة البورجوازية الامبريالية عليها خصوصا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والكتلة الشرقية وتوظيف ذلك لإعلان الرأسمالية نظاما "سرمديا" ودعوة العمال والكادحين والشعوب الصغيرة والضعيفة إلى الخضوع وعدم التفكير في بديل آخر وتحديدا البديل الاشتراكي.

وقد بينت الأيام صحة موقف حزب العمال. فالاشتراكية، تبدو، في الظرف العالمي الحالي الذي تشتد فيه وحشية النظام الرأسمالي الامبريالي وبربريته، وتفشل فيه كل محاولات إصلاحه من الداخل وترميمه، النظام الوحيد القادر على قيادة كادحي العالم وشعوبه وأممه المظطهدة نحو الخلاص وتأسيس حضارة جديدة في خدمة الإنسان. وليس أدل على ذلك من الانتعاشة التي يعرفها النضال الاجتماعي والوطني في مختلف القارات وأشكال المقاومة الجديدة التي يبدعها الكادحون في مواجهة العولمة الرأسمالية، مما يشكل قاعدة موضوعية لانتعاشة الحركة الثورية والشيوعية من جديد.

وعلى صعيد آخر فقد فهم حزب العمال المرحلة التاريخية التي يمر بها المجتمع التونسي وحلل التناقضات التي تشقه واستخلص منها المهمات الواجب إنجازها للسير قدما بشعبنا وبلادنا نحو الانعتاق والتحرر. ويلخص شعار الثورة الديمقراطية الوطنية والشعبية، جوهر البرنامج الذي صاغه حزب العمال لمواجهة مهام المرحلة التاريخية الراهنة. إن هذه الثورة الاقتصادية، الاجتماعية، السياسية، الثقافية، تهدف إلى تمكين الشعب بكافة طبقاته وفئاته من الوصول إلى السلطة وممارسة سيادته على الدولة وعلى خيرات البلاد وثرواتها وتحريرها، أي البلاد، من الهيمنة الأجنبية، الاستعمارية الجديدة وتخليصها من مخالب الأقلية البورجوازية العميلة ووضعها على سكة نهضة شاملة وحقيقية.

وقد أدرك حزب العمال أن العائق الرئيسي الذي يقف في وجه الطبقة العاملة والشعب عموما ويحرمهما من أبسط حقوقهما السياسية والاجتماعية هو الدكتاتورية الدستورية التي اشتد في عهد بن علي طابعها البوليسي وتفاقم الفساد والنهب والاستغلال والتبعية. واعتبر حزب العمال أن إزالة هذه الدكتاتورية يمثل شرطا أوليا لينهض الشعب التونسي بأوضاعه. وحوصل الحزب موقفه هذا في برنامجه التكتيكي المعروف بـ"برنامج الحرية السياسية" الذي ترجمه في الشعار المركزي "خبز، حرية، كرامة وطنية" والذي سعى ويسعى إلى لفّ أوسع جماهير الشعب حوله.
لقد أخذ حزب العمال في برنامجه هذا وفي كل سياساته ومواقفه، بعين اعتبار مصالح وطموحات العمال وكافة الطبقات والفئات الشعبية، وهو يدافع

عنها بإخلاص وأمانة. وقد حظي الشباب في برنامج حزب العمال بمكانة خاصة، إذ تَمثَّلَ مطالبه وطموحاته الاجتماعية والسياسية والثقافيـة، وكرّس الحزب اهتمامه بالشباب بتأسيس "اتحاد الشباب الشيوعي التونسي" سنة واحدة بعد تأسيس الحزب لكي ينظم هذا الاتحاد الشباب ويرفع من وعيه ويقوده في نضاله من أجل تحقيق أهدافه. كما حظي النساء باهتمام كبير في برنامج الحزب ومواقفه وأنشطته، فقد دافع ولا يزال عن مساواة تامة وفعلية، في كافة الميادين بين النساء والرجال. وأعطى النساء الكادحات والشعبيات مكانة خاصة ضمن اهتماماته باعتبارهن معنيات أكثر من غيرهن بالتغيير في تونس لما لهنّ من مصلحة في ذلك بسبب ما تعانينه من قهر وظلم واستغلال في ظل نظام بن علي الدكتاتوري.

ولقد كان حزب العمال ولا يزال حزبا يجمع بين القول والفعل، بين النظرية والممارسة. تأسس في خضم النضال. وواصل مسيرة العشرين سنة وهو يواجه الدكتاتورية، ويدافع عن مطالب الشعب التونسي وطموحاته بما في ذلك في أحلك فترات القمع التي شهدت تراجعات كثيرة في مستوى الأحزاب والمنظمات والأفراد. كما شهدت تفشيا خطيرا لمشاعر اليأس والإحباط. ودفع حزب العمال، وهو يناضل في ظروف السرية الصعبة ثمن صموده ومقاومته للدكتاتورية غاليا: اعتقال المئات من مناضليه وتعريضهم للتعذيب الوحشي (الذي أودى بحياة شهيد الحرية الرفيق نبيل بركاتي)، ومحاكمتهم محاكمات جائرة وسجنهم في ظروف لا إنسانية. وقد أظهروا لدى البوليس السياسي وفي سجون بورقيبة كما في سجون بن علي روحا عالية من المقاومة والصمود.

وكان حزب العمال ولا يزال حزبا موحِّدا ومُجمِّعًا. فهو لم يرفض في أي وقت من الأوقات القيام بأعمال مشتركة مع الأحزاب والتيارات السياسية الأخرى ولم يحكم في هذه الأعمال سوى عامل واحد وهو مصلحة الشعب التونسي فكلما طُرح موقف للاتخاذ أو عمل للإنجاز فيه خدمة لهذه المصلحة إلا واستجاب حزب العمال لذلك بقطع النظر عن الخلافات الإيديولوجية والسياسية التي تفصله عن الأطراف الأخرى. وهو ما يشهد به سلوكه اليوم إذ هو يعمل على أرضية مطالب دنيا تهم الحريات الأساسية مع قوى يتباين معها على مستوى الفكر وعلى مستوى المشروع المجتمعي العام. ولا يدّخر حزب العمال أي جهد من أجل توحيد قوى اليسار الثوري ضمن الحركة السياسية العامة حتى تكون لها فيها دور فعال من شأنه أن يجذر طابعها الديمقراطي والشعبي والتقدمي.

وبقدر ما كان حزب العمال مبدئيا ومتماسكا في مواقفه من القضايا الوطنية، كان ولا يزال كذلك في مواقفه من القضايا القومية التي تهمّ الشعب التونسي. لقد أخذ حزب العمال في خطه السياسي وبرنامجه العام البعد القومي لنضال الشعب التونسي، لما يربطه ببقية الشعوب العربية من روابط الأرض واللغة والتاريخ والثقافة وبالتالي من مصير مشترك. ومن هذا المنطلق وقف حزب العمال منذ تأسيسه إلى جانب كافة القضايا العادلة للشعوب العربية، فساند ولا يزال نضال الشعب الفلسطيني ضد الكيان الصهيوني، العنصري الغاصب. ولم يدخر أي جهد للتنديد بالعدوان الأمريكي الامبريالي على العراق في عام 1991 وفي عام 2003 وهو يساند المقاومة العراقية اليوم ضد المحتل. كما أنه يعارض كافة المشاريع الامبريالية وفي مقدمتها "مشروع الشرق الأوسط الكبير" الذي يهدف إلى إحكام هيمنة الامبريالية الأمريكية على المنطقة عبر فرض الكيان الصهيوني ضمن منظومة شرق أوسطية بشكل نهائي وتغيير أنظمة الحكم في سوريا وإيران خاصة واستبدالهما بأنظمة عميلة وطيعة، وضرب بؤر المقاومة في فلسطين والعراق ولبنان وملاءمة بقية الأنظمة (السعودية، مصر...) مع المصالح الاستراتيجية لهذه الامبريالية.

إن حزب العمال وُلِدَ حزبا أمميا شعاره: "يا عمال العالم ويا شعوب وأمم العالم المضطهدة اتحدوا". وصاغ سياسته الدولية على هذا الأساس. فهو عضو بـ"الندوة الأممية للأحزاب والمنظمات الماركسية اللينينية" وتربطه في نفس الوقت علاقات ما انفكت تتسع وتتعمق بالقوى التقدمية والمعادية للعولمة والامبريالية، والحروب العدوانية في العالم. إن حزب العمال الثوري الأممي يقف إلى جانب نضالات الطبقة العاملة والشعوب والأمم المضطهدة في كافة أصقاع الدنيا، معتبرا أن كل ضربة توجه إلى "طغاة العالم" في أي بلد من البلدان هي مكسب للشعب التونسي.

إن حزب العمال وهو يحيي الذكرى العشرين لتأسيسه، سيظلّ، كما نشأ، وفيا لمبادئه وبرنامجه الثوري، ليس له من مصلحة يدافع عنها غير مصلحة الطبقة العاملة وجميع كادحي تونس حتى يتخلصوا من نير الدكتاتورية ويمسكوا مصيرهم بأيديهم ويبنوا النظام الذي يحققون في ظله تحررهم الاجتماعي والسياسي.

نشد على أياديكم



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني