الصفحة الأساسية > البديل الوطني > "كل شيء غَلاَ كَانْ البشر بقى رخيص"
على هامش التهاب أسعار زيت الزيتون:
"كل شيء غَلاَ كَانْ البشر بقى رخيص"
15 كانون الثاني (يناير) 2006

ارتفع زبت الزيتون في موسم هذه السنة بصورة ملفتة للانتباه ناهيك أن سعر "الديقة" (10 ليترات) بلغ الستين دينارا. ولا يوجد ما يوحي بأن هذا الارتفاع سيتوقف، إذ يتوقع المواطنون وحتى العديد من التجار بأن يصل سعر "الديقة" إلى 70 دينارا أي بمعدل 7 دنانير للتر الواحد. وهو ما أثار حيرة الناس من أبناء وبنات الطبقات والفئات الشعبية والفقيرة، لا لأن زيت الزيتون منتوج أساسي من منتوجات البلاد التي تحتل المرتبة الرابعة عالميا في هذا المضمار، مما يعني منطقيا ضرورة توفر هذه المادة بكميات كبيرة في السوق وبأسعار في متناول أصحاب الدخل الضعيف، بل لأن العام "صابة" أيضا وهو عامل كان من المفروض أن يدفع الأسعار في اتجاه الانخفاض. ولكن ما حصل هو العكس. فالأسعار أصبحت ترتفع في كل الظروف، سواء كان العام "صابة" أو "عجرودة" بسبب الجفاف أو الكوارث الطبيعية.

وقد حاولت السلطات تبرير هذا الارتفاع بالإمكانيات المتاحة دوليا هذه السنة للتصدير "قصد الحصول على المزيد من العملة الصعبة"، وهو ما يكشف طبيعة سياسة بن علي الاقتصادية التي لا تعطي الأولوية لحاجات الشعب بل لمصالح السماسرة الذين يتلاعبون بمصير تونس والذين بدأوا، في إطار الخوصصة، يمسكون شيئا فشيئا بتجارة زيت الزيتون، وبالمقابل يقع توريد "زيوت" نباتية عدة للاستهلاك المحلي لا يعرف المواطن مدى ملاءمتها للشروط الصحية بالنظر إلى غياب أية مراقبة جدية وذات مصداقية عليها ما دامت السلطة تمنع قيام جمعيات مستقلة لحماية المستهلك من الغش ولا تتورع عن تمكين السماسرة من رخص لتوريد مواد اتضح أكثر من مرة فسادها.

ومن المعلوم أن الأمر لا يتوقف في بلادنا عند زيت الزيتون. فـ"الدقلة"، وتونس من أهم منتجيها، صار الوصول إليها من ضمن أماني، لا ضعفاء الدخل من التونسيين فحسب بل حتى متوسطي الدخل منهم بسبب ارتفاع أسعارها. وكذلك الأمـر بالنسبة إلى القوارص والأسماك (الحوت) في بلد 1200 كلم سواحل إلخ.. فالإنتاج موجه إلى التصدير أو إلى أصحاب النزل الذين يأوون السواح الأجانب. وبطبيعة الحال فإن الأرباح العائدة من هذه التجارة تجنيها حفنة من السماسرة ومصاصي الدماء بينما أغلبية التونسيين وخاصة منهم العمال وغيرهم من الفئات الكادحة "تشقى ما تلحق" بسبب غلاء الأسعار من جهة وضعف الدخل من جهة ثانية، إذ علاوة على ارتفاع أسعار المنتوجات المحلية بسبب "التصدير" فإن المنتوجات المستوردة أسعارها بدورها مرتفعة لأنها "مستوردة" وبالتالي خاضعة لتقلبات السوق العالمية التي تتحكم فيها الشركات الرأسمالية الاحتكارية. وبعبارة أخرى فإن أصحاب رأس المال والسماسرة رابحون في كل الحالات والكادحون خاسرون في كل الحالات.

ومن العبارات التي أصبحت متداولة منذ مدة في بلادنا العبارة التالية "كل شيء غلاَ، كان البشر بقي رخيص". ولا يدرك عامة الناس الذين يرددون هذه العبارة أنهم يعبرون في الواقع عن خاصية جوهرية من خصائص الرأسمالية خاصة في صيغتها النيوليبرالية الحالية، الموغلة في الوحشية والبربرية. فالرأسمالية لا يهمها سوى الربح وهي مستعدة للزيادة فيه ومراكمته إلى دوس أبسط المبادئ الإنسانية، فهي كالعلق لا تنتعش ولا "تنتفخ" إلا بقدر امتصاصها لدماء الكادحين والشعوب. ونحن في تونس ندفع ثمنا مضاعفا لخضوعنا للرأسمالية. فنحن أولا ضحية لرأسمالية تابعة ومتخلفة، والشركات الرأسمالية الأجنبية العاملة في بلادنا تفعل فينا ما لا تفعله في بلدانها الأصلية لما تحقق لعمالها وكادحيها من مكاسب تحد من جشع تلك الشركات. وثانيا: ضحية دكتاتورية بوليسية تخضع شعبنا لنهب الرأسماليين والسماسرة عن طريق القوة الغاشمة وتحرمه من حقه في الدفاع عن نفسه ومن الاحتجاج على ما يتعرض له من مظالم. وهو ما يفسر أن العمال والكادحين وغيرهم من أبناء الطبقات والفئات الكادحة يئنون اليوم تحت وطأة غلاء الأسعـار والاستغلال الفاحش ولا يجدون كيف يردون الفعل بسبب غياب الأطر والفضاءات التي تمكنهم من ذلك.

ومن البديهي أن الأوضاع ستبقى على حالها بل ستتفاقم، وهي تتفاقم فعلا، إذا لم يتخلّ الكادحون عن سلبيتهم ولم يفهموا أن الدكتاتورية الغاشمة وأقلية السماسرة ومصاصي الدماء التي تسندها اجتماعيا لن تتوقفا عن نهبهم إلا إذا أوقفوهما هم، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالانخراط في النضال ضدهما والتخلي نهائيا عن عقلية "أخطى راسي واضرب" وعن الخوف من استتباعات النضال. فالعمال والكادحون المنخرطون في نقابات بإمكانهم أن يضغطوا على قياداتهم من أجل الاحتجاج على غلاء الأسعار وتدني الأجور مثلا. وبإمكان المنتجين الصغار أن يعملوا على الانتظام خارج منظمات كبار الأعراف والفلاحين.كما أنه من حق بل من واجب العمال الطلائعيين أن ينفتحوا على النشاط السياسي وينخرطوا فيه من أجل فهم أعمق وأشمل لواقع المجتمع والبلاد ومن أجل الانخراط في النضال من أجل تغييره تغييرا جذريا حتى تكون الاختيارات الاقتصادية لصالح الشعب الكادح.

ملاحظة

******

طارت أسعار الزيتون لكن أجرة العمال تراجعت!!

كان من المفروض أن ترتفع أجرة العاملين في صابات الزيتون هذا الموسم بحكم الارتفاع المهول في سعر الزيتون. لكن هذا لم يحصل! ففي حين كان العامل في الموسم الفارط يتقاضى ما بين 60 مليم و80 مليم على كل كيلو غرام واحد من الزيتون الذي يجمعه والذي كان سعره في حدود 500 مليم، لم تتعدّ حصة العامل على الكيلو هذه السنة الـ100 مليم رغم أن سعره تضاعف في السوق. أي أن العامل كان يتقاضى في السنة الفارطة 14% من قيمة ما يجمعه من زيتون، أما هذه السنة فإنه لا يتقاضى سوى 10% فقط في أحسن الأحوال.

وعمال الزيتون يعملون في ظروف قاسية جدا حيث يتم نقلهم إلى غابات الزيتون في جرارات أو شاحنات تحت البرد القارس. وهناك من يخيم وسط الزيتون صحبة جميع أفراد عائلته... وفي صورة تعرّضهم لحوادث الشغل فإنهم لا يتمتعون لا بالتعويض ولا بالتغطية الاجتماعية.

إن معاناة "سلاتة الزيتون" هي معاناة مضاعفة فهم عرضة للاستغلال الفاحش ويعملون في ظروف قاسية جدا من جهة، وليس لهم أي إطار نقابي يجمعهم ويدافع عنهم من جهة ثانية.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني